الأستاذ محمد كوكطاش: من لم يشملهم عفو النبي صلى الله عليه وسلم

يستعرض الأستاذ محمد كوكطاش مواقف حاسمة لم يعفُ فيها النبي ﷺ عن المسيئين، مؤكدًا أن العفو النبوي لم يكن مطلقًا، بل كان منضبطًا بميزان العدل والمصلحة، ويبيّن أن رد العدوان كان جزءًا من الرحمة النبوية حين تقتضي المصلحة ذلك.
كتب الأستاذ محمد كوكطاش مقالاً جاء فيه:
يُعدّ موضوع العفو في الإسلام، وضرورة أن يكون المسلم دائمًا عفوًّا، من أكثر المواضيع التي يُكثر الحديث عنها، ويمكن لمن شاء أن يجد في هذا الباب الكثير من المصادر، فقد عفا رسول الله ﷺ حتى عن قاتل عمه، وعفا عن الذين رجموه بالحجارة، ولم يَدْعُ عليهم، بل الأهم من كل ذلك، أنه عفا عن قريش الذين ناصبوه العداء، وحاولوا قتله، وأخرجوه من وطنه، ولم يعاقبهم بعد فتح مكة، بل عفا عنهم، وهناك أمثلة لا تُحصى على هذا النحو.
ومع ذلك، من الخطأ المنهجي أن تُنتزع هذه المواقف من سياقها الزماني والمكاني والسياسي، لتُستخدم ذريعة في تبرير الاستكانة أو التراجع عن المبادئ الإسلامية العليا، خصوصًا في أزمنة الضعف والانبطاح أمام قوى الهيمنة والاستكبار، نعم كان رسول الله ﷺ رحمةً للعالمين، ومن الطبيعي أن يكون من مظاهر رحمته سعة عفوه.
إن اختزال الإسلام في قيم التسامح فقط، مع تغييب معاني العزّة والجهاد والمواجهة، يُعدّ إخلالًا بالتوازن القرآني والنبوي، فالنبي ﷺ كان رحمةً للعالمين، نعم، لكنه في الوقت نفسه كان قائدًا شجاعًا لا يتهاون في حماية الأمة والذود عنها، لقد عفا عندما يكون العفو قوة، وعاقب عندما يكون العقاب ضرورة.
وليس أدلّ على ذلك من مواقفه ﷺ التي تؤكد أن الظلم والعدوان إذا لم يُقابلا بالحزم، فإن ذلك يُعدّ خيانة للرسالة وللأمة، ففي مراحل مختلفة من حياته النبوية، أرسل السرايا، وقاد الغزوات، وأقام العقوبات، حين استلزم الموقف ذلك.
ولم تكن تلك المواجهات مقصورة على الحالات الدفاعية فقط كما يروج البعض، بل كان فيها ردع، وحسم، واستباق استراتيجي، كما في استهدافه لقوافل قريش الاقتصادية، وتفكيك التحالفات المعادية، وتأديب القبائل الخائنة، وحصار بني قريظة بعد نقضهم للعهد في ظرف عسكري خطير.
ففي الشهر السابع من الهجرة، أرسل النبي ﷺ سرية بقيادة حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه، مكوّنة من ثلاثين من المهاجرين، إلى منطقة "سيف البحر"، بهدف اعتراض قافلة تجارية لقريش، مؤلفة من ثلاثمئة رجل في طريقها من الشام إلى مكة، وعندما وصلت السرية إلى الساحل، التقوا بالقافلة التي كان من ضمنها أبو جهل، وأخذ الطرفان وضعية القتال، لكن أحد سكان المنطقة، واسمه مجدي بن عمرو، وكان يعرف كلا الطرفين، تدخّل كوسيط ومنع وقوع القتال.
وبعد عودة السرية، أرسل النبي ﷺ سرية بقيادة عبيدة بن الحارث رضي الله عنه، مكوّنة من ستين أو ثمانين من المهاجرين، إلى وادي رابغ، وهناك واجهوا فرقة قريشية من الفرسان بقيادة أبي سفيان أو عكرمة، قوامها مئتا رجل، خرج الطرفان عن الطريق لإطعام الإبل، ووقع تبادل للسهام فقط دون قتال مباشر، وقد كان سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أول من رمى سهمًا في سبيل الله في هذا الموضع.
وفي الشهر التاسع من الهجرة، أرسل النبي ﷺ سرية بقيادة سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، مؤلفة من عشرين رجلًا، إلى منطقة "حرار" لمراقبة قافلة لقريش والاستيلاء عليها، لكنهم عندما وصلوا إلى هناك علموا أن القافلة قد مرّت قبل يوم، فعادوا دون قتال.
ثم خرج النبي ﷺ بنفسه في سرية من ستين أو سبعين رجلًا من المهاجرين، آملًا أن يلتقي بمشركي قريش، وأيضًا لعقد اتفاقية مع قبيلة "بني ضمرة بن بكر"، وقد عيّن سعد بن عبادة رضي الله عنه نائبًا عنه في المدينة، وتوجه إلى "الأبواء" و"ودان"، لكنه لم يلتقِ بمشركي قريش، ونجح في عقد اتفاقية استراتيجية مع القبيلة.
وقبل معركة بدر الكبرى، والتي تُعدّ أول حرب كبرى للمسلمين، خرج النبي ﷺ في الشهر الثالث عشر من الهجرة مع مئتي رجل إلى منطقة "بُوَاط"، وترك سعد بن حارثة رضي الله عنه نائبًا له في المدينة، وكان الهدف هو قافلة تجارية كبرى لقريش، تضم ألفي وخمسمئة بعير، ويحميها مئة رجل، بقيادة أمية بن خلف، لكن لم يحدث أي اشتباك، فعادوا إلى المدينة.
وفي الشهر نفسه، خرج النبي ﷺ لملاحقة "كُرز بن جابر" من مشركي قريش، الذي اقترب حتى مشارف المدينة ونهب بعض الإبل، فتتبعه النبي ﷺ حتى وادي "الصفوان" قرب بدر، لكنه كان قد فرّ.
ومعلوم أن غزوة الخندق كانت آخر محاولة هجومية كبرى من قِبل مشركي مكة ضد المدينة، وجمعوا فيها القبائل الوثنية من كل صوب، لكن بعد أن أنجى الله المسلمين، لم يترك النبي ﷺ القبائل التي ساندت المشركين، بل أرسل إليهم سرايا هجومية ليلًا، وقضى عليهم، مؤكِّدًا أن أي عدوان على المسلمين لن يمر بلا رد.
وأعظم خيانة في يوم الخندق كانت من بني قريظة، يهود المدينة، الذين كان من المفترض أن يدافعوا عن المدينة مع المسلمين، لكنهم خانوا العهد وهاجموا المسلمين من الخلف، ولم يُغفر لهم ذلك، فحاصرهم النبي ﷺ، وقُتل الرجال، وسُبي النساء والأطفال، وغُنمت أموالهم.
وقبلهم لم تُترك خيانات بني قينقاع وبني النضير دون جزاء، كما أن كعب بن الأشرف، الذي كان يؤذي النبي ﷺ بشعره، تم التخلص منه.
وبعد الخندق، أرسل النبي ﷺ سرايا ضد القبائل الوثنية التي تحالفت مع المشركين، فقد أرسل محمد بن مسلمة رضي الله عنه مع ثلاثين رجلًا إلى بني قريظة وبني بكر، وقتل رجالهم، وغنم الإبل والغنم.
وأرسل عُكَّاشة بن محصن رضي الله عنه على رأس سرية ضد بني أسد الذين قاتلوا في الخندق، فشتّت شملهم وغنم ممتلكاتهم.
وكان العام السادس للهجرة عام السرايا بامتياز، حيث أرسل النبي ﷺ صحابته القادة: علي بن أبي طالب، وأبا عبيدة، وزيد بن حارثة، ومحمد بن مسلمة، وعبد الرحمن بن عوف (رضي الله عنهم) في سرايا متتالية لمعاقبة الوثنيين الغادرين، ولم يُترك أي عدوان ضد المسلمين بلا عقوبة.
أما حادثتا "بئر معونة" و"الرجيع"، حيث نُصب كمين للمسلمين واستُشهد عدد كبير منهم، فقد تم الأخذ بالثأر في سرايا مثل "سرية بني لحيان" و"جموم".
نعم، لم يكن رسول الله ﷺ يترك غدر وخيانة الكفار للمسلمين بلا رد، ولو فُحص تاريخ الإسلام بعناية، لوجدنا أمثلة أكثر بكثير على ذلك.
أما من يظنون أن ما يفعله الكفار الصهاينة اليوم سيمر دون عقوبة، فسيكتشفون يومًا ما مدى خطئهم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. (İLKHA)
تنبيه: وكالة إيلكا الإخبارية تمتلك جميع حقوق نشر الأخبار والصور وأشرطة الفيديو التي يتم نشرها في الموقع،وفي أي حال من الأحوال لن يمكن استخدامها كليا أو جزئياً دون عقد مبرم مع الوكالة أو اشتراك مسبق.
سلّط الأستاذ عبد الله أصلان الضوء على واقع الزلازل في إسطنبول، محذرًا من التهاون بخطر المباني المتهالكة وضرورة الاستعداد الجماعي والرسمي قبل فوات الأوان، وأكّد أن مواجهة الكارثة تبدأ بالوعي والتخطيط لا بالفزع والتجاهل.
حذر الأستاذ نور الله آي من الصهيونية التي تمثل مشروعًا مفسدًا يسعى لتدمير القيم الإنسانية وتقويض الأسرة والمجتمعات عبر نشر أفكار منحرفة تحت شعارات مثل الحرية والتحرر، حيث تنشط في المجتمعات المسلمة بينما تحافظ على حماية مجتمعاتها من تداعيات هذا الخراب
ندد الأستاذ حسن ساباز بجرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها الكيان الصهيوني في غزة، مستهدفًا المدنيين والمنشآت الصحية بشكل ممنهج، كما سلط الضوء على التواطؤ الدولي والصمت الأممي الذي يمنح الاحتلال غطاءً لاستمرار جرائمه ضد الشعب الفلسطيني.