من الجبل إلى المصالحة… متى تتعلم الأنظمة العربية الدرس قبل فوات الأوان؟

أكد الأستاذ "إسلام الغمري"، أن تركيا، وبقرارات واعية وشجاعة، قطعت على نفسها طريق الانقسام الدائم، وفهمت أن السلاح يُسكت حين تُسمَع المطالب، وأن المواطنة لا تُجزأ.
جاء في مقالة دورية حصرية لوكالة إيلكا للأستاذ "إسلام الغمري"، نائب رئيس مركز حريات للدراسات السياسية والإستراتيجية، ما يلي:
في مشهدٍ لم يكن يتوقعه أكثر المحللين تفاؤلًا قبل أشهر، شاهدنا عناصر حزب العمال الكردستاني وهي تُلقي سلاحها، وتعود إلى الكهف الذي خرجت منه، في لحظة فارقة تكاد تشبه الخروج من نفق دامس امتد لأربعة عقود من الدم والنار. مشهد صادم بقدر ما هو ملهم… لا لأن التنظيم انتهى عسكريًّا فقط، بل لأن فكرة الصراع ذاتها باتت بلا مبرر بعد أن تغيرت الظروف، وتبدلت المعادلات.
في بيانٍ مختصر، لكنه بالغ الدلالة، قال حزب العمال الكردستاني:
“في ظل تزايد القمع الفاشي والاستغلال في العالم، وتحول منطقتنا إلى بحر من الدماء، فإننا ندرك أهمية وخطورة واستعجال هذه الخطوة التاريخية التي اتخذناها.”
ورغم ما قد يبدو في الظاهر من لغة خطابية تقليدية، فإن الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها، أن زعيم الحزب عبد الله أوجلان نفسه هو من مهّد لهذه النهاية، بعدما راجع أفكاره وأعلن أن الزمن قد تجاوز مقولات التمرد المسلح، وأن الدولة التركية لم تعد كما كانت، بل أنجزت إصلاحات ثقافية وحقوقية جوهرية جعلت من استمرارية الصراع عبئًا لا طائل من ورائه.
فلماذا لا نقرأ هذا الحدث بعيون عربية؟
أولًا: الفكرة أقوى من الرصاص… لكن متى تتغيّر الأفكار؟
الذي استنزف تركيا لعقود لم يكن السلاح فقط، بل كانت الإيديولوجيا المتصلبة التي ترفض التغيّر، وتُلبس المظلومية ثوبًا أزليًّا لا نهاية له. فحين تصبح الفكرة صنمًا، يتحوّل الإنسان إلى ترس في آلة لا تتوقف عن الدوران، حتى لو تكسّرت أعمار أجيال كاملة تحت عجلاتها.
لكن تركيا، بقرارات واعية وشجاعة، قطعت على نفسها طريق الانقسام الدائم، وفهمت أن السلاح يُسكت حين تُسمَع المطالب، وأن المواطنة لا تُجزأ. وهنا بدأ التغيير الحقيقي… لا من داخل الكهوف، بل من داخل القصور ومراكز القرار.
هذا هو الدرس الأول: حين تُفتح نوافذ الإصلاح، تُغلق أبواب الحرب.
ثانيًا: التنظيمات العابرة للحدود… انتهى زمنها
من أبرز دلالات ما جرى، أن العالم لم يعُد يقبل بالكيانات غير الوطنية، ولا بالتنظيمات التي تسير فوق حدود الدول أو تحتها. فالدولة الوطنية - رغم عيوبها - هي الوحيدة القادرة على إدارة التعدد وضبط الخلاف وضمان الحد الأدنى من الاستقرار.
لقد ثبت باليقين أن “المشاريع الإيديولوجية الكبرى” التي تتجاوز الجغرافيا، وتسعى لتصدير الثورة أو العقيدة، ليست إلا أوهامًا كبرى، تنتهي دائمًا إما بالفشل، أو بإعادة إنتاج الاستبداد باسم الفكرة.
من هنا، فإن أي حركة سياسية أو اجتماعية لا تعيد تموضعها داخل مشروع وطني متوازن… ستذوي عاجلًا أو آجلًا، ولو رفعت أرقى الشعارات.
ثالثًا: الإصلاح الحقيقي… مسؤولية الأنظمة قبل الشعوب
حين تقرر الدولة أن تنظر في مرآتها بصدق، وتُجري مراجعة شجاعة لمسارها السياسي، وتُفرج عن سجنائها السياسيين، وتكف عن معاقبة الفكر والضمير، وتمنح الناس حق الكلمة والمشاركة، فإن الجبال ستتزلزل، حتى وإن كانت جبال قنديل.
لكن حين تُغلَق السجون على العقول، وتُفتح على الأجساد… فإن شرارة النار تظل مشتعلة تحت الرماد، تنتظر فرصة.
إن الإفراج عن المعتقلين السياسيين ليس منّةً من أحد، بل هو حق تأخّر كثيرًا. وكل تأخير يُهدد بجعل المقولة الشهيرة: “على نفسها جنت براقش” حقيقة واقعة تتكرر في بلادنا.
فالعقل الجمعي المقهور، إذا لم يُحرر، يتحوّل إلى طاقة احتقان كامنة، يلتقطها المتربصون في الخارج ويستثمرونها لإشعال الفتن، تحت عناوين حقوق الإنسان تارة، وحقوق الأقليات تارة أخرى، وحرية التعبير دائمًا.
رابعًا: الإعلام المحرّض… من الذي يقول “احنا شعب وانتو شعب”؟
من أكثر الأدوات خطورة في تكريس الانقسام المجتمعي تلك الأبواق الإعلامية التي تتعمد بث خطاب الفرقة، وتُقسّم الشعوب طائفيًّا ومناطقيًّا وفئويًّا. إعلام لا يرى في المعارض إلا “عدوًا داخليًا”، ولا يعترف بالاختلاف إلا بوصفه تهديدًا وجوديًّا.
هذا الإعلام، في حقيقته، لا يحمي الدولة بل يدمّرها. لأنه يُغلق باب الحوار، ويمنع تشكل “هوية وطنية جامعة”، ويُقدّم للدول الأجنبية المبررات الكاملة للتدخل، تحت ذريعة “حماية مكونات المجتمع”.
هل ننتظر أن يُقال عنا: “احنا شعب وانتو شعب”… حتى تُقسّم أوطاننا كما قُسم غيرنا؟
خامسًا: هل آن أوان المصالحة العربية؟
المشهد الذي رأيناه في السليمانية – وإن جاء في سياق كردي – إلا أنه يُمثّل فرصة لكل أنظمة المنطقة لتُعيد حساباتها. فالمصالحة ليست ضعفًا، بل قمة القوة. والاعتراف بالأخطاء ليس تنازلًا، بل مقدمة التصحيح.
ما المانع أن نبدأ اليوم في إطلاق مصالحة شاملة؟
• تُفرج فيها السجون عن أصحاب الرأي.
• وتُفتح فيها المنابر أمام صوت العقلاء.
• وتُعاد فيها اللحمة الوطنية إلى نسيجها المتشظي.
نعم… الإرادة هي الفيصل.
خاتمة: من “قنديل” إلى “سليمانية”… العبرة لمن أراد أن يتعظ
قبل شهور، لم يكن أحد يتوقع أن يعود عناصر PKK من الجبل، ويُسلّموا سلاحهم، ويختموا رحلة الدم بنداء: “لقد انتهت الأسباب”.
لكن هذا ما حدث… لأن أحد الأطراف امتلك الشجاعة، وقال: “كفى”.
فمتى نقولها نحن؟
ومتى تُدرك أنظمتنا أن العناد السياسي لا يُنقذ الأوطان، بل يدفعها نحو الهاوية؟
ومتى نتوقف عن صناعة الأعداء داخل مجتمعاتنا، وندرك أن الخطر الحقيقي يأتي من الخارج، حين نُمعن في تمزيق الداخل؟
العبرة متاحة… والوقت لا ينتظر. (İLKHA)
تنبيه: وكالة إيلكا الإخبارية تمتلك جميع حقوق نشر الأخبار والصور وأشرطة الفيديو التي يتم نشرها في الموقع،وفي أي حال من الأحوال لن يمكن استخدامها كليا أو جزئياً دون عقد مبرم مع الوكالة أو اشتراك مسبق.
شدّد الأستاذ عبد الله أصلان أن إحراق أسلحة تنظيم PKK الإرهابي ليس نهاية لمسار طويل من الإجرام، بل خطوة رمزية لا تُغني عن المحاسبة، والاعتراف، وتحقيق العدالة.
أكد الأستاذ محمد أشين في مقاله أن الأمة الإسلامية تعاني منذ قرن من هيمنة القوى الإمبريالية والصهيونية، لكن مقاومة غزة كسرت وهم التفوق الصهيوني وأصبحت رمزًا لتحرير الأمة، وأعرب عن تفاؤله بأن النصر قريب بإذن الله.
يدعو الأستاذ محمد كوكطاش إلى تحرك تركي فوري وحاسم ضد التهديدات الصهيونية، محذرًا من أن التأخر أو انتظار الضربة سيكون انتحارًا وطنيًا، وأكد أن إعلان إسرائيل اعتبار تركيا أكبر تهديد لها يستوجب ردعًا استباقيًا قبل فوات الأوان.