أكد أستاذ أصول الفقه ومقاصد الشريعة الإسلامية د. وصفي عاشور أبو زيد في مقال له خصص به وكالة إيلكا للأ نباء أن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة يعد انتصارا حاسما للمقاومة ولغزة بأكملها.
وجاء نص المقال الذي حصلت عليه وكالة إيلكا كما يلي:
أعلن الوسطاء يوم الأربعاء 15 يناير 2025م اتفاقية تقتضي وقف إطلاق النار في غزة وفق بنود تأخذ طريقها على الأرض للتنفيذ يوم 20 يناير 2025م؛ لتُطوى بذلك صفحة امتدت لـ 470 يوما، كلها قتال وقتل وتشريد وتهجير وتطهير عرقي وإبادات جماعية ومذابح بشعة بشكل يومي طوال هذه المدة بما لم يسبق له مثيل في تاريخ قضية فلسطين في عقودها الأخيرة.
وهنا يليق بنا أن نسأل سؤالًا مهمًّا، وهو: هل انتصرت غزة أم انهزمت؟ وما هو المعيار الذي نحكم به على ذلك؟
يمكننا أن نجعل أهداف العدو معيارًا، فما هي الأهداف التي أعلنها العدو بعد السابع من أكتوبر 2023 بيومين؟
أهداف العدو في معركة الطوفان
تلخصت أهداف العدو التي أعلنها نتنياهو ومجلس حربه في ثلاثة أهداف:
الأول: القضاء على حماس:
الهدف الأول للعدو كان القضاء على حركة المقاومة الإسلامية حماس، وهانحن نرى حماس اليوم، عادت أشد قوة مما كانت، وغنَّت الشعوب ببطولتها وثباتها وتضحياتها، وأصبح لهما مكانة شعبية بين المسلمين أعظم مما كانت .. صحيح أن الخطب جسيم، والتضحيات بالغة، والخسائر البشرية وفي البنية التحتية كبيرة، لكن هكذا هي طريق التحرير .. لا يوجد تحرير دون دفع ثمن، ولا يوجد حرية أو أمان بغير دماء وشهداء؛ فالحياة بلا شهداء لا معنى لها، والأرض بلا دماء طاهرة لا تُنبت إلا الضعفَ والخَوَرَ والهزيمة .. فهل تم تحقيق الهدف الأول للعدو بالقضاء على حماس؟ الواقع المشهود والحاضر المعيش يقول: قطعا لا، لم تنتهِ حماس، ولن تنتهي حركات المقاومة للاحتلال؛ لسبب معلوم، وهو أن هذا مقتضى سنة التدافع التي بنى الله عليها الحياة والأحياء، فإذا كان هناك عدو محتل فلابد أن تتهيأ له - بقدر الله - مقاومة تجاهده وتقاومه حتى يحرروا أوطانهم.
الثاني: استعادة الأسرى:
الهدف الثاني الذي أعلنه العدو هو تحرير الأسرى الذين اختطفتهم المقاومة يوم السابع من أكتوبر؛ ذلك الحدث الذي زلزل الكيان والعالم، فضلا عن الأسرى الذين أخذتهم الكتائب المقاومة أثناء أيام الحرب التي بلغت 470 يوما، فهل حرر العدو أسراه؟ لم يحدث ذلك بمهارة العدو ولا قوة سلاحه، ولا ضخامة جيشة، أو تقدم تقنياته العسكرية، أو للمال الهائل الذي تم ضخُّه من قبل أمريكا وغيرها، وإنما استخلص العدو بعض أسراه مقابل المئات من أسرانا في الهدنة التي تمت بعد بداية المعركة ببضعة أشهر، وسوى ذلك لم يقدر على تحرير شعرة واحدة من أسير، بل إن العدو تعمد قتل أسراه في مخابئهم غير مبالٍ بحالة أهالي هؤلاء الأسرى، مما شكَّل ضد نتنياهو ومجلس حربه معارضة شعبية تجسدت في مظاهرات دائمة داخل الكيان.
الثالث: السيطرة على غزة ونزع سلاحها:
الهدف الثالث من هذه الحملة هو احتلال غزة، ونزع سلاح المقاومة فيها، وإسناد حكمها إلى رجلهم "عباس"، فهل احتل العدو غزة؟ وهل تم نزع السلاح من غزة؟ لم يحدث شيء من ذلك، بل الذي رأيناه قبل الإعلان عن وقف القتال بيومين فقط هو قتل المقاومة لعشرة أشخاص من الكيان، وإصابة العشرات، فالمقاومة – حتى آخر يوم – تُحدث النكايةَ في العدو، وتأخذ أرواحهم، وتأسر منهم، وتصيبهم في أركانهم .. وإن الاتفاق المعلن يقتضي خروج الكيان من غزة تمامًا، وهذا ما سيبدأ العمل به يوم 20 يناير الجاري.
خسائر الكيان الصهيوني
بالإضافة إلى فشل الكيان في تحقيق أهدافه المعلنة فهو قد تكبد خسائر أخرى كثيرة، ومنها:
أولا: كراهية نصف مليار عربي:
من أهم خسائر العدو الصهويني أنه حصد كراهية ما يقرب من نصف مليار عربي، أصبح الصهاينة أعداءهم، وظهر لهم بيقين إجرام هذا العدو وكل من يعاونه، ومن ثم خفتت الأصوات العربية النشاز التي كانت تكتب موالية هذا الكيان أو مدافعة عنه، واتسعت مساحة الانتصار للمقاومة والجهاد، والتضامن مع البشر الذين يُبادون على أرض غزة.
ثانيا: سقوط مشروع التطبيع:
قبل طوفان الأقصى كانت هناك هرولة مَهُولة نحو التطبيع من قِبل كثير من حكام العرب؛ وهو ما يترجم قول الله تعالى: ﴿فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ﴾ [المائدة ٥٢]، ولما بدأت معركة الطوفان تم الإجهاز على هذا المشروع تمامًا، وكُشف عن خيانة الحكام الذين قاموا بهذا التطبيع، وأوقفت حركة التطبيع عند هذا الحد التي لم يكن لها أن تتوقف لولا طوفان الأقصى.
ثالثا: خسارة الرأي العام الدولي:
من أهم الخسائر للعدو هي خسارة معركة الرأي العام الدولي، وذلك من ناحيتين: الأولى: استبشاع الرأي العام الدولي للمجازر التي ارتكبها هذا العدو الأثيم، فثار الرأي العام الدولي الشعبي، وانتفض طلاب الجامعات في أمريكا وأوربا، ونادى كثير من أعضاء البرلمانات في أمريكا وأوربا بإيقاف هذه الحرب الظالمة، وإيقاف الدعم الموجه لهذا الكيان الغاصب المجرم. والناحية الثانية: هي رسوب العدو في تشويه صورة المقاومة، وتشويه صورة الشعب الفلسيطني، بل العكس هو الذي حدث اليوم، فقد رأينا كثيرا من كتاب الرأي وقادة الفكر الغربي ينوهون بعظمة الشعب الفلسطيني وتضحياته وثباته، والإعلاء من شأن المشاهد الإنسانية التي رأوها وشاهدوها.
مكاسب المقاومة في الطوفان
لا شك أن الجراحات كبيرة، والخسائر عظيمة، في الأرواح والبنية التحتية للمجتمع، ولكن هذا قد يهون إذا ما تحدثنا عن المكاسب التي كسبتها فلسطين والأمة من هذه المعركة، ومن أهمها:
أولا: النجاح الكبير في اختبار الإيمان:
إن معركة الإيمان هي المعركة المصيرية للمسلم في هذه الحياة، فأعظم اختبار يمر به هو اختبار الإيمان والثبات واليقين، وإن ما رأيناه من ثبات الشعب الفلسطيني، ومن إيمان نسائه وأطفاله ورجاله وشيوخه في مواضع الابتلاء قد صار مضرب الأمثال؛ وبه دخل كثيرٌ من الناس في الإسلام، حتى صاروا بأرواحهم ودمائهم دعوةً للإسلام تتجسد على الأرض، فلم نر بعد جيل الصحابة صبرًا كهذا، ولا ثباتًا قريبًا هذا، ولا إيمانًا ويقينًا مثل هذا، وكان من بركات ذلك هذه الروح القوية والجديدة والكبيرة التي بُثّْ في الأمة، وإحياء النَّفَس الجهادي فيها، وقد كان هذا بثمن كبير من دماء هذا الشعب الأبي، وأرواح أبنائه الأبرار.
ثانيا: ارتفاع أسهم المقاومة في الرسم البياني وانكسار العدو:
هناك معادلة تقضي بأن هناك متوالية للاحتلال والمقاومة، وهي أن الاحتلال يبدأ كبيرًا شرسًا، ثم تبدأ المقاومة في التشكل باستحياء وضعف، فينهش الاحتلال في هذه المقاومة الضعيفة، فتبدأ المقاومة في التماسك، وتجميع خلايا مناعتها، وتطوير نفسها، وتكبر شيئًا فشيئًا من الحجارة إلى الصواريخ حتى تُساوي العدو في المواجهة والردع، وأعتقد أن المقاومة وصلت لهذا المستوى في معركة سيف القدس، أما في طوفان الأقصى فقد لمع نجم المقاومة، وزادت أسهمها، وارتفع صعودها في الرسم البياني للمقاومة والتحرير، وبدأ العدو في الانكماش والتراجع، مهما كان الدعم المقدم له.
ثالثا: النجاح الكبير في معركة الرأي العام مع حفظ حقوق الشعب وإبداء المرونة:
من النجاحات التي حققتها المقاومة نجاحها في كسب معركة الرأي العام العالمي، فقد استطاعت المقاومة كسب أنصار جدد لها من أحرار العالم، بل حتى من أبناء العرب والمسلمين، وحاصرت الآراء العربية المتصهينة، فلم يعد أحد يجرؤ أن يجاهر بالتعاطف مع بني صهيون وإلا سيكون موضع احتقار وهجوم من الشعوب العربية الأصيلة، لا سيما بعد كل هذه المجازر التي ارتكبها الصهينة، وبعد كل هذا الثبات والبطولة والإيمان الذي أبداه الشعب الفلسطيني في محنته، وقد لعب الإعلام العسكري في ذلك دورا كبيرا، في تأليب الرأي العام الإسرائيلي على مجلس حربه وحكومته، وتحصيل قدر كبير من تعاطف الأحرار في العالم وبعض الحكام الأحرار .. من ناحية أخرى لم تفرط المقاومة في الداخل والخارج في حقوق الشعب الفلسطيني الأساسية، ولم يتنازلوا عن مطالبهم التي أعلنوها منذ بداية المعركة، وهي انسحاب الصهاينة من أرض غزة، وإعادة الإعمار، وفتح المعابر، ورفع الحصار، وهذا ما ظهر جليًّا في اتفاقية وقف إطلاق النار، ومع هذه الأمانة والتمسك بالثوابت امتلكت المقاومةُ مرونة كبيرة في التفاوض السياسي والمبادرات التي طرحت من أي طرف كان؛ حيث أبدت المقاومة استعدادها لكل بادرة، وتعاملت معها بما يليق بها، وبما يحقق مصالح الشعب الفلسطيني، مما زاد من ثقة الشعب في مقاومته والتفافه حولها،؛ حيث رآها الأمينة على حقوقه ومقدراته وقضيته.
بالإضافة إلى ذلك فإن غزة لم تنتصر في هذه المعركة على الكيان فقط، بل كان انتصارها على العالم من جبهتين: الجبهة الأولى: جهة الخذلان الرسمي الذي لازَمَ المقاومة من بداية هذه الحرب ومن قبلها؛ وأبرز هذا الخذلان – بل التآمر – كان من دول الطوق التي كان يجب أن تكون أول داعم لإخوانها العرب والمسلمين المحاصرين في غزة، ولكنهم خذلوها بل تآمروا عليها، فضلا عن عموم حكومات العرب والمسلمين، وكثير من الشعوب المغلوبة على أمرها، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: "المُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ، لا يَظْلِمُهُ ولا يُسْلِمُهُ، ومَن كانَ في حاجَةِ أخِيهِ كانَ اللَّهُ في حاجَتِهِ". [أخرجه البخاري (٢٤٤٢)، ومسلم (٢٥٨٠) بسندهما عن عبد الله بن عمر]. والجبهة الثانية: هي العالم الغربي الصهيوني والمتصهين؛ حيث وقفت أمريكا بجلالة قدرها وأوربا بأموالهم وأسلحتهم، ودعمهم المادي والمعنوي، فلم يُغنِ عنهم شيئًا، وضاقت عليهم الأرض بما رحب ثم ولوا منهزمين منكسرين، وأنفقوا أموالهم وذهبت مع الرياح، وهو ما يزيد يقيننا وإيماننا بقول الله تعالى: ﴿إِنَّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ یُنفِقُونَ أَمۡوَ ٰلَهُمۡ لِیَصُدُّوا۟ عَن سَبِیلِ ٱللَّهِۚ فَسَیُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَیۡهِمۡ حَسۡرَةࣰ ثُمَّ یُغۡلَبُونَۗ وَٱلَّذِینَ كَفَرُوۤا۟ إِلَىٰ جَهَنَّمَ یُحۡشَرُونَ﴾ [الأنفال ٣٦].
واجبنا بعد وقف الحرب
أما واجبنا اليوم بعد وقف إطلاق النار، فهو العمل الجاد في إعادة الإعمار، وإن الذنوب التي ارتكبتها الأمة بخذلانها وأنها أسلمت إخوانهم لعدوهم، لا يُكفّرها إلا الانخراطُ الكامل في إعادة الإعمار، والإعمار هنا نعني به الإعمار الشامل: إعمار مادي في بناء المجتمع وإعادة بناء مدارسه وجامعاته ومستشفياته ومساجده وبيوته ومرافقه العامة، وإعمار فكري وإيماني وأخلاقي واحتماعي، وإن كان شعب غزة اليوم بثباته المذهل وإيمانه العميق وصدقه الواضح قد أصبح يملك من رصيد الإيمان ما يجعله في موضع الصدار والأستاذية في إعمار الأمة كلها بالإيمان والثبات والرضا واليقين.
إننا اليوم مطالبون - قبل أي وقت مضى - بالوقوف صفًّا واحدًا مع الشعب الفلسطيني في غزة، لإمداده بما يحتاجه اليوم من كل شيء؛ ذلك أن هذه المعركة فاصلة في تاريخ القضية، وفي حاضر الأمة ومستقبلها، وإن قادمات الأيام ستُثبت لنا ذلك، وستحمل لنا الخير الكثير، لا سيما بعد تحرير سوريا، وبعد تحرير "ود مدني" في السودان، فها هي خارطة التحرير تتسع يوما بعد يوم؛ لتشمل أماكن أخرى حول فلسطين؛ تمهيدًا لتحرير أرضنا وقدسنا وأقصانا وأسرانا، ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبًا. (İLKHA)
تنبيه: وكالة إيلكا الإخبارية تمتلك جميع حقوق نشر الأخبار والصور وأشرطة الفيديو التي يتم نشرها في الموقع،وفي أي حال من الأحوال لن يمكن استخدامها كليا أو جزئياً دون عقد مبرم مع الوكالة أو اشتراك مسبق.
قال الكاتب الصحفي د. توران في تصريحاته لمراسل وكالة إلكا للأنباء حول التطورات الأخيرة في غزة: "تاريخ البشرية تغير، وسيُعرف العالم بما قبل غزة وما بعدها".
يؤكد حسن ساباز أن "طوفان الأقصى" كشف معادن الناس وفضح المتعاونين، مشيرًا إلى بطولات غزة التي تجسدت في مقاومة أسطورية رغم الحصار والقصف المستمر، ويؤكد أن المقاومة هي السبيل الوحيد لتحرير فلسطين، مستشهدًا بكلمات الشيخ أحمد ياسين التي تُبرز قوة الحق أمام الباطل.
تناول محمد أشين في مقاله المرحلة الانتقالية للرئاسة الأمريكية وتهديدات ترامب لحماس، مشيرًا إلى تاريخ إسرائيل في نقض العهود وعدم التزامها باتفاقياتها، كما أكد أهمية التزام المسلمين بالعهود إلا إذا خُرقت، مع الإشارة إلى دور ذلك في تحقيق النصر بإذن الله.