من المراجعة إلى البناء… الجماعة الإسلامية ومصر المستقبل

كتب الأستاذ "إسلام الغمري" نائب رئيس مركز حريات للدراسات السياسية والإستراتيجية ضمن (7 - 7) من سلسلة: الجماعة الإسلامية المصرية… من المواجهة إلى الرؤية، ما يلي:
تمهيد: من تجربة الماضي إلى مسؤولية المستقبل
طرحتُ في هذه السلسلة قراءة تحليلية لتجربة الجماعة الإسلامية المصرية، باعتبارها ليست مجرد كيان تنظيمي، بل نموذجًا فكريًا واجتماعيًا يعكس جزءًا من مسار التيار الإسلامي في مصر. تجربة مرّت بمراحل شديدة التعقيد: من المواجهة إلى المراجعة، ومن المشاركة السياسية إلى الإقصاء.
واليوم، وفي هذه المحطة الأخيرة من السلسلة، يفرض الواقع أسئلته الكبرى:
• ماذا بقي من الجماعة الإسلامية؟
• وهل لا تزال تملك ما تقدّمه في هذا الزمن المأزوم؟
• وهل يمكنها – في ظل ما راكمته من مراجعات وتضحيات – أن تكون طرفًا إيجابيًا في إعادة بناء الوطن؟
أولًا: مراجعات راسخة… تجاوزت الاختبار
من أبرز ما يُحسب للجماعة الإسلامية أنها كانت من أوائل التيارات التي بادرت إلى مراجعة أفكارها من الداخل، بعيدًا عن الضغوط أو الصفقات. هذه المراجعات لم تكن ردّ فعلٍ عاطفي أو استجابة طارئة، بل نتيجة مسار فكري وتأملي عميق، انطلق من فقه النص وفهم الواقع.
وقد تميّزت هذه المراجعات بأنها:
• اعتمدت اجتهادًا علميًّا رصينًا لا تبريريًّا ولا دعائيًّا.
• قدّمت فهمًا متوازنًا لعلاقة الدين بالدولة، والحركة بالمجتمع.
• تجسّدت سياسيًا عبر تأسيس حزب “البناء والتنمية”، كأداة قانونية واقعية للعمل العام، دون تخلي عن الثوابت المرجعية.
هذه المراجعات، التي وُلدت في مناخ مليء بالتحديات، أثمرت خطابًا إصلاحيًّا ناضجًا، ما زال يمثل مرجعية يمكن البناء عليها في أي مشروع وطني شامل.
ثانيًا: تجربة سياسية ناضجة… وإن تعثّرت
عقب ثورة يناير، دخلت الجماعة الإسلامية المشهد السياسي من باب الشرعية القانونية والمؤسسية، لا عبر الشعارات أو المكايدة. خاضت تجربة المشاركة البرلمانية باحترام للتعدد، وبحرص على العمل ضمن منظومة الدولة.
“وقد أظهرت هذه التجربة:
• قدرة حقيقية على التعايش مع التيارات الأخرى.
• التزامًا بمقتضى الإرادة الشعبية، وابتعادًا عن الحزبية الضيقة."
• رؤية متزنة ترفض المغالبة، وتوازن بين المبادئ والمصالح العامة.
ورغم أن هذه التجربة قد توقّفت بفعل الانقلاب السياسي بعد 30 يونيو 2013 فإن ما بقي منها من رصيد ووعي وخبرة، يشكّل قاعدة مهمّة لأي مشاركة مستقبلية جادة في مشروع بناء الوطن.
“ثالثًا: خيار السلم… قناعة لا مناورة”
رغم ما تعرّض له الآلاف من أبناء الجماعة الإسلامية في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك من اعتقالات وتعذيب وملاحقات ممنهجة، ثم ما تلا ذلك بعد 30 يونيو من موجة جديدة استهدفت المئات، لا يزال العشرات منهم قابعين في السجون حتى اليوم، فقد ظلّت الجماعة متمسكة بخيار السلم، لا عن ضعف أو تراجع، بل عن قناعة شرعية ووطنية ناضجة، تبلورت من رحم التجربة، ورسّخت نهج الإصلاح والتجديد والمراكمة.
لقد أدركت الجماعة، من خلال ما عاشته من محن وتضحيات، أن التغيير الحقيقي لا تصنعه البنادق، بل يصنعه الوعي، ويقوم على الصبر والبناء، لا على الثأر والانفجار. ولم تكن الجماعة يومًا طامحة إلى العنف، بل فُرض عليها تحت وطأة قمع شديد مارسته السلطة، فجاء خيارها السلمي تعبيرًا عن وعي صادق، لا عن استسلام، وامتدادًا لنهج مراجعات فكرية عميقة، لا لمجرد مراوغة سياسية.
ورغم أنها ذاقت في السجون ما لم تذقه فصائل كثيرة – من صنوف القهر والتعذيب التي لا تقلّ وحشية عمّا جرى في “الباستيل” الفرنسي أو “صيدنايا” السوري – فإنها آثرت أن تلعق جراحها في صمت، وأن تحوّل آلامها إلى وعي، وأن ترفض منطق الثأر والعنف، محتسبةً ما أصابها عند الله، ومؤمنةً بأن الوقت حان للبناء والتأسيس، لا للانتقام والانفجار.
رابعًا: تضحيات باهظة… لم تكن بلا ثمن
قدّمت الجماعة الإسلامية عبر مسيرتها شهداء كبارًا، بعد المراجعة كما قبلها. ومن أبرزهم:
• الدكتور عصام الدين دربالة، أحد رموز المراجعة، الذي وافته المنية داخل محبسه في ظروف غامضة.
• الشيخ عزت السلاموني، الداعية الخلوق، الذي مات مريضًا في السجن دون أن يلين أو يتراجع.
ورغم كل ما واجهته من اغتيال معنوي وسياسي وأمني، فإن الجماعة ظلّت وفيّة لدينها ووطنها، مخلصةً لقضيتها، مستنيرةً برضا الله أولًا، ثم بمصلحة الوطن العليا التي كانت ولا تزال سراجًا ينير طريقها.
خامسًا: ما الذي بقي من الجماعة الإسلامية فعلًا؟
في ظل التعتيم والتضييق، قد يتوهّم البعض أن الجماعة قد تلاشت… لكن الحقيقة خلاف ذلك، إذ لا تزال حاضرة بثلاثة أبعاد:
1. الفكرة الإصلاحية:
مشروع إسلامي سلمي، معتدل، يوازن بين الهوية الدينية ومقتضيات الدولة الحديثة، ويتبنّى خطابًا وطنيًا جامعًا.
2. الرمزية الأخلاقية:
تيار تجرأ على النقد الذاتي، وصمد في وجه شيطنة إعلامية متواصلة، دون أن يردّ الإساءة بمثلها.
3. الحضور الشعبي:
لا سيما في محافظات الصعيد والدلتا، حيث الجذور العميقة، والروابط الاجتماعية التي لم تهزّها العواصف السياسية.
سادسًا: من المراجعة إلى البناء… ماذا يمكن أن تقدّم الجماعة؟
حين تتهيأ الظروف الوطنية، ويُعاد فتح المجال العام، فإن الجماعة – بما راكمته من فكر وتجربة ووعي – قادرة على أن تكون عنصرًا فاعلًا في بناء مصر المستقبل.
ويمكن أن تسهم من خلال:
• إنتاج خطاب جامع يعلو فوق الانقسامات الأيديولوجية، ويعيد ترتيب أولويات الوطن على أساس المصالح المشتركة.
• المشاركة في حوار وطني حقيقي، يعيد الثقة بين الدولة والمجتمع، بعيدًا عن الوصاية أو الاستقطاب.
• تخريج جيل جديد من الكوادر يجمع بين أصالة المرجعية ومرونة الواقع.
• تقديم نموذج أخلاقي للعمل العام، يقوم على المصارحة، واحترام القانون، والولاء للوطن قبل أي ولاء آخر.
فالمراجعة ليست نهاية المطاف، بل نقطة انطلاق نحو البناء… والبناء لا يبدأ من الصفر، بل من الوعي والتجربة والصدق.
خاتمة: مشروع وطني لا يُختزل في تنظيم
لقد تجاوزت الجماعة الإسلامية – في صورتها الفكرية والعملية – حدود التنظيم، لتصبح مدرسة إصلاحية، وضميرًا وطنيًا، يُذكّر بأن الإصلاح ممكن وإن تأخّر.
وإذا كانت الرؤية قد نضجت، فإن البناء ينتظر مناخًا جامعًا، يُنهي الاحتكار، ويُعيد الاعتبار لثقافة الشراكة الوطنية.
إن الجماعة، بما تملكه من توازن ورؤية، يمكن أن تكون لبنة في مشروع نهضوي حقيقي، متى توفّرت الإرادة السياسية والمجتمعية التي تفتح الأبواب أمام كل مخلصٍ وصادق.
فالصفحات لا تُطوى بالقرارات، والتجارب لا تموت بالمراسيم.
والجماعة الإسلامية… كانت، وستبقى، أملًا في بناء مصر المستقبل، جنبًا إلى جنب مع أبناء شعبها العظيم. (İLKHA)
تنبيه: وكالة إيلكا الإخبارية تمتلك جميع حقوق نشر الأخبار والصور وأشرطة الفيديو التي يتم نشرها في الموقع،وفي أي حال من الأحوال لن يمكن استخدامها كليا أو جزئياً دون عقد مبرم مع الوكالة أو اشتراك مسبق.
أكد الأستاذ "إسلام الغمري"، أن تركيا، وبقرارات واعية وشجاعة، قطعت على نفسها طريق الانقسام الدائم، وفهمت أن السلاح يُسكت حين تُسمَع المطالب، وأن المواطنة لا تُجزأ.
يدعو الأستاذ محمد كوكطاش إلى تحرك تركي فوري وحاسم ضد التهديدات الصهيونية، محذرًا من أن التأخر أو انتظار الضربة سيكون انتحارًا وطنيًا، وأكد أن إعلان إسرائيل اعتبار تركيا أكبر تهديد لها يستوجب ردعًا استباقيًا قبل فوات الأوان.
كتب الأستاذ "إسلام الغمري" نائب رئيس مركز حريات للدراسات السياسية والإستراتيجية ضمن (6 - 7) من سلسلة: الجماعة الإسلامية المصرية… من المواجهة إلى الرؤية، ما يلي: