الأستاذ إسلام الغمري: زلزال نيويورك… زهران ممداني يقلب الموازين
يسلّط الأستاذ سلام الغمري الضوء على أن فوز زهران ممداني برئاسة بلدية نيويورك شكّل زلزالًا سياسيًا وأخلاقيًا داخل الولايات المتحدة، كاشفًا عن تحوّلٍ في وعي المجتمع الأمريكي نحو العدالة ورفض هيمنة اللوبي الصهيوني، معتبرًا ذلك بدايةَ تغييرٍ عميقٍ يُعيد تعريف الحرية والضمير الإنساني في قلب الإمبراطورية الأمريكية.
كتب الأستاذ إسلام الغمري مقالاً جاء فيه:
لم يكن فوز زهران ممداني بمنصب عمدة نيويورك حدثًا عابرًا في السياسة الأمريكية، بل كان زلزالًا حقيقيًّا هزّ أركان الإمبراطورية من الداخل، بدا كأنّ المدينة التي كانت رمزًا للهيمنة والنفوذ الأمريكي، تُنجب اليوم وجهًا جديدًا يتحدّى تلك المنظومة ذاتها، وجهٌ يحمل ملامح المهاجر، وصوت الجنوب، وروح العدالة التي وجدت في فلسطين مرآتها الأصدق.
فوز ممداني ليس مجرد انتصارٍ انتخابي، بل هو تعبير عن تحوّلٍ عميقٍ في الوعي الجمعي الأمريكي، جاء في سياق ما بعد زلزال طوفان الأقصى، ذلك الحدث الذي هزّ ضمير العالم، وكشف هشاشة الخطاب الغربي في حديثه عن الحرية وحقوق الإنسان، فقد خرجت الحقيقة من تحت ركام الإعلام الموجَّه، وبدأت السردية الفلسطينية تنتصر في الميادين والجامعات والشوارع الأمريكية.
وسط هذا المناخ المشتعل، برز زهران ممداني كرمزٍ لجيلٍ جديد من الساسة الأمريكيين، جيل لا يخشى اللوبي الصهيوني، ولا يساوم على المبادئ، أعلن مواقفه المؤيدة لفلسطين دون تردّد، فهاجمته وسائل الإعلام، وشيطنته جماعات الضغط، لكنه لم يتراجع، بل حوّل الهجوم إلى قوة دفع، فالتفّ حوله الشباب، والملوّنون، والمهاجرون، وكل من شعر بأن صوته مُصادر في النظام القديم.
لقد كسر ممداني جدار الصمت الأمريكي حول فلسطين، صارت كلمات مثل الاحتلال والعدالة والإبادة تُقال في الإعلام الأمريكي بلا خوف، ولم يعد الاتهام الجاهز بـ"معاداة السامية" سلاحًا فعّالًا كما كان، فالجيل الجديد يرى أن العدالة لا تتجزأ، وأن من يدافع عن كرامة الإنسان في أمريكا لا يمكن أن يتجاهل مأساة غزة، وهكذا تحوّل الخطاب الأخلاقي إلى موجةٍ سياسية غيّرت موازين القوى داخل المجتمع الأمريكي.
رمزية ممداني تتجاوز فوزه الانتخابي، فهو ابنُ مهاجرين من أوغندا، مسلم أسمر البشرة، متزوّج من أمريكية بيضاء، يمثّل صورة أمريكا الجديدة المتعدّدة والمنفتحة، واختياره عمدةً لأكبر مدينة أمريكية يعني أن الناخب العادي بدأ يرى في هذا "الآخر" جزءًا أصيلًا من الهوية الوطنية لا دخيلًا عليها، وللمرة الأولى يهزم مرشحٌ بسيط مدعومًا من الناس مرشحًا مدعومًا من المال والإعلام واللوبيات.
لكن فوز ممداني لم يكن مجرد انتصارٍ فردي، بل كشف عن تصدّعٍ في البنية السياسية الأمريكية نفسها، فثمة وعيٌ جديد يتشكّل داخل النخب الشابة في الإعلام والسياسة، ويميل إلى نقد ازدواجية المواقف الأمريكية، لقد بات السؤال الأخلاقي مطروحًا بوضوح: كيف تتحدّث واشنطن عن الحرية في أوكرانيا، بينما تبرّر القصف في غزة؟ وكيف تدافع عن حقوق الإنسان في الشرق، وهي تبرّر الاحتلال في فلسطين؟
التفاعل الإعلامي مع فوز ممداني:
تباينت طريقة تناول فوز زهران ممداني بين الصحافة الأمريكية، والإسرائيلية، ومواقع التواصل العربية.
ففي حين ركّز الإعلام الإسرائيلي والمنصّات العربية على الأبعاد الأيديولوجية للحدث، اختارت الصحافة الأمريكية التركيز على البُعد السياسي والاقتصادي، باعتباره جزءًا من سلسلة انتصارات للديمقراطيين في الساحل الشرقي، ومؤشرًا على مستقبل الحزب الجمهوري بعد غياب دونالد ترامب عن الواجهة الانتخابية.
أما الإعلام الإسرائيلي، فقد تعامل مع فوز ممداني كحدث مقلق، صحيفة إسرائيل هيوم اليمينية شنّت حملة مركّزة ضده بعناوين من نوع:
• "مدرسة بروكلين الدينية تتعرّض للتخريب بعد فوز ممداني"
• "فوز ممداني يُثير انقسامًا في الإعلام العالمي"
• "جماعات يهودية تدق ناقوس الخطر»
• "لماذا صوّت كثير من يهود نيويورك لممداني؟"
والسؤال الأخير على وجه الخصوص يستحق التوقف عنده، لأن المدينة تضم واحدة من أكبر التجمعات اليهودية في العالم، ومع ذلك صوّت جزء معتبر من الناخبين اليهود لصالح ممداني، رغم انتقاده العلني لإسرائيل.
كان السبب بسيطًا وواقعيًا: الاقتصاد فالناس في نيويورك بمن فيهم اليهود يبحثون عن حلول لأزمات السكن والإيجارات والتكاليف الباهظة، وهي قضايا حمل ممداني وعودًا ملموسة بشأنها.
الجيل الجديد من اليهود الأمريكيين لم يعد أسيرًا لخطاب "الهولوكوست" ولا لأحلام "إسرائيل من البحر إلى النهر"، بقدر ما يهتم بالفواتير والمعيشة، شأنه شأن بقية سكان المدينة، وقد لخّص أحد اليهود موقفه بقوله في حديثٍ لـ إسرائيل هيوم:
"ممداني شابّ نشيط، يقف إلى جانب المهاجرين الفقراء والطبقة العاملة التي تُحرّك هذه المدينة، وهو محاط بيهود من الإدارتين السابقة والجديدة سيقدّمون له النصح".
في المقابل، جاءت المعالجة الأمريكية أكثر موضوعية، لم تركز على الخلفية العرقية أو الدينية لممداني، بل على تأثير فوزه في الداخل الأمريكي:
هل يمكن لخطابه اليساري الجذري أن يغيّر طبيعة العلاقة بين الطبقة العاملة ورأس المال في معقل الرأسمالية نفسه؟
وهل سيؤدي ذلك إلى ولادة يسارٍ أمريكي جديد يُعيد التوازن داخل الحزب الديمقراطي، بعدما تآكلت قيم العدالة الاجتماعية تحت ضغط الشركات الكبرى وأوليغارشيات المال؟
تلك هي الأسئلة التي انشغلت بها الصحافة الأمريكية، لا لأنها تخصّ شخصًا واحدًا، بل لأنها تمسّ روح النظام الأمريكي، فممداني لم يأتِ من المؤسسة، بل من الناس من أحياء المهاجرين والطبقة الكادحة التي دفعتها الرأسمالية المتوحشة إلى حافة الإنهاك.
ومن هنا تبرز أهمية فوزه: فهو لا يمثّل تحدّيًا للنظام السياسي فحسب، بل تحدّيًا أخلاقيًا واقتصاديًا في بلدٍ حوّل الإنسان إلى مجرّد ترسٍ في آلة ضخمة لخدمة رأس المال.
هل يمكن أن يكون زهران ممداني رئيسًا لأمريكا في المستقبل؟
السؤال لم يعد خياليًا كما كان، فالتاريخ الأمريكي مليء بالمفاجآت، وأمريكا التي انتخبت رئيسًا أسود قبل عقدٍ ونصف، قد تنتخب يومًا رئيسًا مسلمًا ذا أصلٍ إفريقي، الطريق طويل والموانع كثيرة، لكن البذرة زُرعت، والتغيير بدأ بالفعل.
إنّ ما حدث في نيويورك لا يقل رمزية عما حدث في غزة، كلاهما كشف أن الكلمة قادرة على أن تهزم القوة، وأن الضمير يمكن أن ينتصر على آلة الإعلام، فممداني لم يهزم خصومه في صناديق الاقتراع فحسب، بل هزم مرحلةً كاملة من الخداع السياسي والنفاق الإعلامي.
ربما يكون فوزه بدايةً لتحوّلٍ أوسع في أمريكا، يُعيد تعريف الحرية والعدالة، ويجعلها مفاهيم حقيقية لا شعاراتٍ سياسية، ومن يدري؟ لعلّ اليوم الذي نرى فيه زهران ممداني يقف في البيت الأبيض، ليس بعيدًا كما نظن.
وهكذا يمضي التاريخ في طريقه كما شاء الله، يُداول الأيام بين الناس، ويُخرج من رحم الظلم صوتًا للحق، ومن قلب الإمبراطوريات صوتًا للضمير، ما كان يُظنّ أنه مستحيل، صار ممكنًا، لأن الله لا يُغيّر ما بقومٍ حتى يُغيّروا ما بأنفسهم، إنّ ما جرى في غزة أيقظ الوجدان، وما جرى في نيويورك بشّر بأن الكلمة لا تموت، وأن العدل، وإن طال انتظاره، لا بدّ أن يقوم.
تنبيه: وكالة إيلكا الإخبارية تمتلك جميع حقوق نشر الأخبار والصور وأشرطة الفيديو التي يتم نشرها في الموقع،وفي أي حال من الأحوال لن يمكن استخدامها كليا أو جزئياً دون عقد مبرم مع الوكالة أو اشتراك مسبق.
يؤكد الأستاذ عبد الله أصلان أن السلام الحقيقي لا يقوم على الشعارات، بل على الثقة والاحترام لقيم الأمة، محذرًا من القوى التي تتستر بشعار “السلام” بينما تثير الفتن وتهاجم الإسلام لتحقيق أهداف خفية.
يسلط الأستاذ ويسي دمير الضوء على مأساة السودان التي تتفاقم تحت وطأة الحرب الأهلية والمجازر، في ظلّ دعمٍ خارجي يعمّق الانقسام ويكرّس مشاريع الهيمنة الإمبريالية على العالم الإسلامي.
ينتقد الأستاذ حسن ساباز عجز المؤسسات الدولية عن مواجهة الإبادة في غزة، مبرزًا شجاعة الصحفيين والإعلاميين الذين فضحوا جرائم الاحتلال رغم التهديد والقتل.