صمود الجماعة الإسلامية بعد ثورة يناير… بين الاستهداف الأمني والثبات السياسي

كتب الأستاذ "إسلام الغمري" نائب رئيس مركز حريات للدراسات السياسية والإستراتيجية ضمن سلسلة: الجماعة الإسلامية المصرية… من المواجهة إلى الرؤية، ما يلي:
" الجماعة الإسلامية المصرية… من المواجهة إلى الرؤية
لحظة الانطلاق… وانقلاب المسار
كانت ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 بمثابة لحظة تحوُّل استثنائية في التاريخ السياسي المصري، حيث فتحت أبواب العمل العام أمام مختلف القوى الوطنية، وفي القلب منها الجماعة الإسلامية، التي خرجت إلى النور بعد سنوات طويلة من الإقصاء والملاحقة.
دخلت الجماعة ميدان السياسة بروح جديدة، تستند إلى مراجعات فكرية معمقة، ورؤية إصلاحية متزنة، وسعت إلى المساهمة في بناء الوطن من خلال مشروع سياسي سلمي، يتكئ على مبادئ الشريعة، ويواكب متغيرات الواقع.
لكن ما أعقب أحداث 30 يونيو 2013 مثّل انتكاسة كبرى؛ إذ انقلب المشهد رأسًا على عقب، ودخلت البلاد مرحلة من الإقصاء الشامل والملاحقات الأمنية، طالت معظم القوى الثورية، من بينها الجماعة الإسلامية التي تعرضت لحصار واسع وممنهج.
أولًا: من ساحات السياسة إلى التضيق والملاحقة
لم تمضِ أشهر قليلة على انخراط الجماعة الإسلامية في العمل السياسي، حتى وجدت نفسها بعد احداث 30 يونيو في مرمى الاتهامات، ومحلّ حملات إعلامية شرسة حاولت شيطنتها وربطها بالعنف، على الرغم من سجلّها المعروف في تبنّي خيار السلم منذ إعلانها الشهير في 1997 بوقف العنف.
رافقت هذه الحملات الإعلامية سلسلة من الإجراءات الأمنية والانتهاكات، أبرزها:
• اعتقال العشرات من القيادات والكوادر، بينهم رموز فكرية بارزة، دون محاكمات عادلة أو تهم محددة.
• وفاة الدكتور عصام الدين دربالة، رئيس مجلس شورى الجماعة، داخل السجن في ظروف غامضة، بعد حرمانه من العلاج اللازم.
• وفاة الشيخ عزت السلاموني، أحد أبرز دعاة الجماعة، نتيجة الإهمال الطبي المتعمد.
• إدراج الجماعة وعدد كبير من قياداتها على قوائم الإرهاب، استنادًا إلى قرارات إدارية لا تستند لأي حيثيات قانونية حقيقية.
• حلّ حزب البناء والتنمية، الذراع السياسي للجماعة، رغم كونه حزبًا قانونيًا شارك في الانتخابات بشفافية واحترام للدستور.
ولم يقتصر الأمر على التضييق التنظيمي، بل تم فرض حظر غير معلن على أي نشاط سياسي أو اجتماعي أو دعوي، لتُغلق أمام الجماعة جميع منافذ الحضور في الشأن العام.
ثانيًا: التزام مبدئي بالسلم… لا يُشترى ولا يُباع
رغم كل ما واجهته الجماعة من استهداف وقمع، تمسكت بموقفها الثابت الرافض للعنف، وواصلت التزامها الصادق بالمنهج السلمي، ليس باعتباره خيارًا اضطراريًا، بل قناعة استراتيجية راسخة.
تجلّى هذا الالتزام في:
• التمسك المطلق بالمسار السلمي كطريق للتغيير، بعيدًا عن دوائر الانتقام أو ردود الفعل الغاضبة.
• رفض حمل السلاح أو الانزلاق إلى الفوضى، رغم المحن المتراكمة والاستفزازات المستمرة.
• التأكيد في الخطاب العام على ضرورة الحفاظ على السلم الأهلي، ورفض كل أشكال التخريب أو الفوضى.
• الدعوة إلى حوار وطني شامل، يضم كل الأطياف السياسية، بعيدًا عن منطق الإقصاء والاستقطاب.
لقد أدركت الجماعة أن معركة الوعي هي الأجدر بالرهان، وأن كسب العقول أولى من خوض المعارك.
ثالثًا: الغياب التنظيمي لا يلغي الحضور المعنوي
رغم ما يبدو من غياب تنظيمي للجماعة الإسلامية عن المشهد بعد تجميد حزبها وتقييد حركتها، إلا أن هذا الغياب الظاهري لم يُلغِ حضورها الفعلي في وجدان المجتمع، ولا في ذاكرة العمل الإسلامي المصري.
فالجماعة ليست مجرد هيكل تنظيمي، بل هي حركة فكرية واجتماعية نابعة من أعماق المجتمع، نشأت فيه، ورافقته في مراحل التحول، وخاضت تجربة مراجعة داخلية ناضجة باتت مرجعًا في العمل الإسلامي المعاصر.
واليوم، رغم التعتيم، لا تزال الجماعة:
• حاضرة في الوعي الجمعي كشاهد حي على تجربة الإصلاح من الداخل.
• محل تقدير في أوساط الباحثين والمراقبين، نظرًا لاتزان خطابها ونبل سلوكها.
• مرشحة للعودة في أي لحظة تشهد فيها مصر انفراجة سياسية أو تحولات جوهرية.
رابعًا: مفارقة دولية…
ومن المفارقات اللافتة في المشهد السياسي المصري، أن الولايات المتحدة الأمريكية – المعروفة بتشدّدها في تصنيف الحركات الإسلامية – قد قررت رفع اسم الجماعة الإسلامية من قوائم الإرهاب، بعدما تأكدت من نهجها السلمي والتزامها بمبادئ العمل السياسي المشروع.
لكن في المقابل، لا يزال النظام المصري يحتفظ بالجماعة في قوائم الإرهاب المحلية، في موقف يكشف عن فجوة بين الحقائق الواقعية ومواقف الدولة الرسمية، ويُثير تساؤلات حول هذا النهج المستغرب.
هذه المفارقة لا تعبّر فقط عن ازدواجية المعايير، بل تسلط الضوء على انغلاق المشهد السياسي المصري، وتعنّت السلطة في التعامل مع أي تيار إصلاحي ذي مرجعية إسلامية.
خامسًا: ثباتٌ لا يُقاس بالحضور الإعلامي
لقد قدّمت الجماعة الإسلامية بعد ثورة يناير نموذجًا فريدًا في الصبر والثبات. ففي وقتٍ اختار فيه البعض العزلة أو المساومة، اختارت الجماعة الصمود بهدوء، بعيدًا عن ضجيج الإعلام، وقريبًا من نبض المجتمع.
ولم تكن صامدة فقط، بل كانت رشيدة في خطابها، واقعية في رؤيتها، متزنة في حركتها. وقد جسّدت:
• موقفًا وطنيًا ناضجًا لا يساوم على المبادئ، ولا يصطدم مع الدولة.
• مشروعًا إصلاحيًا لا يؤمن بالعنف طريقًا، بل يراهن على الوعي والتدرج.
• إصرارًا على البقاء كتيار دعوي وسياسي، قادر على التأقلم والمواصلة رغم القيود.
خاتمة: من رحم الألم يولد الأمل
في ظل واقع سياسي ضبابي، ومناخ أمني خانق، تُثبت الجماعة الإسلامية أنها لم تكن لحظة عابرة، ولا تنظيمًا هشًا، بل تجربة فكرية وسياسية متجذّرة، تعرف كيف تصمد، وتُحسن الانتظار، وتبني المستقبل من ركام التحديات.
ورغم كل ما تعرضت له من تشويه وإقصاء، لا تزال الجماعة الإسلامية جزءًا أصيلًا من المشروع الإسلامي الوطني، ورمزًا لمراجعة فكرية نادرة، وتجربة إصلاحية ناضجة… يُنتظر أن تستأنف دورها في اللحظة المناسبة، حين يُفسح المجال للشعب ليعبّر عن إرادته، وللأفكار أن تخوض معركتها في النور، لا في الظل". (İLKHA)
تنبيه: وكالة إيلكا الإخبارية تمتلك جميع حقوق نشر الأخبار والصور وأشرطة الفيديو التي يتم نشرها في الموقع،وفي أي حال من الأحوال لن يمكن استخدامها كليا أو جزئياً دون عقد مبرم مع الوكالة أو اشتراك مسبق.
ألقت الجهات الأمنية في محافظة اللاذقية السورية القبض على العقيد "عمار محمد عمار"، أحد ضباط جهاز أمن الدولة في عهد النظام المخلوع، وفق ما أفادت وكالة "سانا".
ألغت الولايات المتحدة تحت إدارة الرئيس دونالد ترامب تصنيف "هيئة تحرير الشام"، كمنظمة إرهابية.
التقى وزير الخارجية التركي "هاكان فيدان"، نظيره الروسي "سيرغي لافروف"، على هامش القمة السابعة عشرة لقادة مجموعة بريكس، المنعقدة في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية.
ارتفع عدد القتلى جراء الفيضانات والانهيارات الأرضية في ولاية هيماشال براديش الهندية إلى 78 شخصاً.