الأستاذ إسلام الغمري: ترامب وممداني… درسٌ في القيادة – حين يذكّرنا الآخرون بما فقدناه
يوضح الأستاذ إسلام الغمري أن لقاء ترامب وآدامز يبرز إمكانية تجاوز الخصومة لخدمة المصلحة العامة مستلهماً قيم القيادة في التاريخ الإسلامي، والدرس الهام أن السياسة الناجحة تقوم على الحكمة وإدارة الخلافات لا على الانفعال أو الصراع الشخصي.
في لحظة سياسية بدا فيها المشهد صادمًا لكثير من المتابعين في العالم الإسلامي، وقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى جانب عمدة نيويورك إريك آدامز (ممداني)، لا كخصمين خاضا معركة شرسة قبل أسابيع، بل كرجلين تجمعهما الآن مصلحة عليا يتقدمان بها على خلافات الأمس.
هذا التحول السريع — من خصومة انتخابية محتدمة إلى تعاون سياسي محسوب — لم يكن مجرد لقطة إعلامية؛ بل كان مشهدًا يعكس ثقافة سياسية ناضجة، تعرف متى تتجاوز حمى الصراع إلى أرض المصلحة العامة.
غير أنّ الدهشة الحقيقية ليست في المشهد ذاته، بل في وقع هذا المشهد علينا نحن. فقد بدا وكأن النموذج الذي مارسناه تاريخيًا في قيادتنا الإسلامية يتمثله الآخرون اليوم، بينما غاب — للأسف — عن كثير من قياداتنا العربية.
ثقافة القيادة: بين الأخلاق السياسية وأخلاق الوحي
حين تستقبل خصم الأمس بترحاب، وتُظهر تقديرًا لإنجازه، وتضع الخلاف في موضعه الصحيح… فأنت لا تمارس مجرد براغماتية سياسية؛ بل تطبق أحد أعظم مبادئ القيادة: تقديم المصلحة العليا على اعتبارات الذات.
وهذا المبدأ — الذي يتباهى به الساسة اليوم — ليس جديدًا على حضارتنا.
لقد عرفناه يوم وقف خالد بن الوليد، القائد الذي لم يُهزم في معركة، أمام أبي عبيدة بن الجراح، بعد أن وصله أمر من الخليفة عمر رضي الله عنهما بعزله من القيادة.
لم يغضب خالد، ولم يحتج، ولم يعلُ صوته؛ بل قال كلمته الخالدة:
«ما كنت أقاتل في سبيل خالد، إنما كنت أقاتل في سبيل الله.»
ثم جلس تحت إمرة صاحبه، مستمرًا في الجهاد جنديًا بعد أن كان قائدًا. لم تهتز صفوف المجاهدين، ولم يختلّ بناء الجيش؛ لأن القيادة حين تكون لله، لا تتأثر بالرتبة ولا بالمنصب.
النموذج الثاني: صلح الحديبية… حين تكون السياسة إدارة للمآلات
في صلح الحديبية، قبل النبي صلى الله عليه وسلم شروطًا قاسية — في ظاهرها — حفاظًا على مصلحة الأمة ودفعًا للمفاسد المتوقعة.
يومها اعترض عمر رضي الله عنه متسائلًا: ألسنا على الحق؟
لكن النبي صلى الله عليه وسلم علّمه أن السياسة ليست صراعًا انفعاليًا؛ بل إدارة حكيمة للمآلات، وأن التنازل المرحلي قد يكون الطريق الوحيد لتحقيق النصر النهائي.
النموذج الثالث: الحسن بن علي… أمير الصلح وحقن الدماء
ثم جاء موقفٌ آخر من أعظم مواقف القيادة الإسلامية المبكرة: تنازل الحسن بن علي رضي الله عنه — وهو الأحق بالخلافة شرعًا وسياسة — عندما رأى أن حقن دماء المسلمين أولى من صراع السلطة.
يومها قال رضي الله عنه عبارته الشهيرة:
«لو لم يستقم دين محمد إلا بقتلي، فيا سيوف خذوني.»
وبهذا الموقف، حقن دماء الأمة، وحقق ما عرفه التاريخ باسم «عام الجماعة»، مثبتًا أن القيادة ليست تشبثًا بكرسي؛ بل تضحية من أجل وحدة الأمة واستقرارها.
لقاء ترامب وآدامز… حين ينتصر العقل على الأنا
في ضوء هذا التراث الهائل، يبدو أن ما فعله ترامب وآدامز ليس عبقريًا بقدر ما هو بديهي في منطق القيادة الرشيدة.
لم يكن ترامب — بشخصيته الصدامية — مرشحًا لمشهد احتواء وتعاون. لكن السياسة حين تبلغ مستوى الاحتراف، تتطلب الابتعاد عن روح الانتقام.
فالرئيس الأمريكي يدرك أنّ استعداء عمدةٍ شاب فاز بثقة ناخبيه لن يخدم مصالحه، وأن احتواء خصم قوي أفضل ألف مرة من صناعة خصومة جديدة.
أما آدامز، فيدرك أن نجاحه في إدارة مدينة كبرى مثل نيويورك لا يتحقق بالصدام المستمر، بل بالقدرة على تحويل الخصومة إلى مساحة للعمل المشترك.
ومع الإقرار بأن لقاء الطرفين لم يخلُ من حسابات سياسية مباشرة لكليهما — فترامب يستثمر وجود آدامز، وآدامز يسعى لضمان دعم فيدرالي — فإن الاحترافية تكمن في القدرة على تدوير هذه المصالح الذاتية إلى خدمة عامة.
وهذا هو عين ما سمّاه القرآن الكريم:
«ادفع بالتي هي أحسن.»
وما سماه الفقهاء:
«تقديم المصلحة الراجحة على الهوى الراجح.»
مقارنة تكشف الفجوة الحضارية
لا نبالغ إذا قلنا إن مشهد ترامب وآدامز يفضح اليوم أزمة القيادة في عالمنا العربي.
فبينما تطبّق الدول الغربية أساليب احتواء الخصوم وهندسة الخلاف ليصبح ثراءً سياسيًا، تعيش دول عربية وإسلامية على وقع صراعات شخصية ضيقة، تُدار بمنطق الموظف الغاضب لا بمنطق رجل الدولة.
فالآخرون يتقنون فن الهندسة العكسية للخلافات، بينما تبدأ خلافاتنا بفكرة وتنتهي بـ الإقصاء والتهميش.
المعارض عندهم جزء من الحل، وعندنا يتحول — في كثير من الأحيان — إلى «مشروع إزالة».
ولدينا ميراث هائل من أخلاق القيادة:
• من تنازل خالد لأبي عبيدة،
• وحكمة النبي صلى الله عليه وسلم في الحديبية،
• وتضحية الحسن لأجل وحدة الأمة،
• وتواضع عمر أمام مشورة سلمان،
• وعدالة علي في الخصومة…
ومع ذلك، لا ينعكس هذا الميراث على مشهدنا السياسي، حيث تتحول المناصب إلى غنائم، والخلافات إلى معارك ego، والخصومة إلى عداء أبدي.
المعنى الأعمق: لسنا بحاجة إلى أن نتعلم من ترامب… بل إلى أن نتذكر أنفسنا
العجيب ليس أن ترامب تصرف بذكاء سياسي…
العجيب أن هذا النموذج — الذي يظهر في البيت الأبيض — هو النموذج ذاته الذي كنا نحن أصحابه قبل قرون.
لسنا بحاجة إلى استيراد ثقافة التعايش السياسي من الغرب؛ بل إلى استدعاء تراثنا الذي فقدناه، والقيم التي تركناها خلف ظهورنا.
فالسياسة في الإسلام ليست ساحةً لإذلال الخصوم؛ بل فضاء لتحقيق المصالح وتخفيف المفاسد، وصناعة قيادة تتجاوز الذات نحو الأمة.
الخاتمة: إذا كان الآخرون يصعدون بالعقل… فبماذا نصعد نحن؟
لقاء ترامب وآدامز ليس ملهمًا لأنه أمريكي؛ بل لأنه يوقظ سؤالًا حضاريًا مؤلمًا:
كيف يتقن الآخرون ما قامت حضارتنا عليه؟
وكيف ننسى نحن ما بُنيت دولتنا الأولى عليه؟
إن هذا المشهد لا يطالبنا باستيراد نموذجهم؛ بل بإعادة اكتشاف قيمنا وإلزام قياداتنا بها.
إنه يطالبنا بأن نخرج من مرحلة الموظف الذي يحمي كرسيه إلى مرحلة رجل الدولة الذي يخدم أمته، مستلهمين خالدًا وهو يقول:
«ما كنت أقاتل في سبيل خالد، إنما كنت أقاتل في سبيل الله.»
ومستلهمين الحسن وهو يقول:
«لو لم يستقم دين محمد إلا بقتلي، فيا سيوف خذوني.»
إنها رسالة من السياسة، لا من البيت الأبيض؛ رسالةٌ تستحضر عظمة تراثنا التي تحدث عنها شاعرنا:
ملكنا هذه الدنيا قرونًا
وأخضعها جدود خالدونا
وسطرنا صحائف من ضياء
فما نسي الزمان وما نسينا
إن القيادة ليست من يغلب خصمه؛ بل من يغلب نفسه.
فهل تصل الرسالة… لمن يهمه الأمر؟ (İLKHA)
تنبيه: وكالة إيلكا الإخبارية تمتلك جميع حقوق نشر الأخبار والصور وأشرطة الفيديو التي يتم نشرها في الموقع،وفي أي حال من الأحوال لن يمكن استخدامها كليا أو جزئياً دون عقد مبرم مع الوكالة أو اشتراك مسبق.
يؤكد الأستاذ حليم ستشكين أن الحياة الدنيا زائلة وخادعة، وأن السعي الحقيقي يكون في رضا الله ونيل مغفرته بالعبادة والعمل الصالح، ويشير إلى أن الانغماس في المال والشهرة أو ملذات العصر الرقمي يبعد الإنسان عن الهدف الحقيقي، فالآخرة هي الباقية والثواب الأبدي هو ما يبقى.
يحذّر الأستاذ حسن ساباز من الانحدار السكاني الخطير الذي تشهده تركيا في السنوات الأخيرة، معتبرًا أن تراجع معدّل الخصوبة تحول إلى أزمة تهدد بنية المجتمع ومستقبل البلاد على المدى الطويل. ويرى أن مواجهة هذا الخطر لا يمكن أن تتم عبر جهود الدولة وحدها، بل تستلزم وعيًا مجتمعيًا واسعًا وتشجيعًا فعّالًا للزواج والإنجاب قبل فوات الأوان.
يؤكد الأستاذ محمد كوكطاش أن تجارة الجنة مع الله مستمرة إلى يوم القيامة، كما جسدها الصحابة في الماضي، جسدتها حركة حماس اليوم، ويشير إلى أن الأمة ستظل تخرج مؤمنين صالحين، ثابتين في الإيمان والجهاد والصبر.