عزت السلاموني… أسد المنابر الذي أبى الانكسار ومضى شهيدًا

كتب الأستاذ "إسلام الغمري" نائب رئيس مركز حريات للدراسات السياسية والإستراتيجية ضمن مقال حول الشيخ عزت حسين محمد السلاموني ما يلي:
مدخل
كان الشيخ عزت حسين محمد السلاموني – رحمه الله – صفحة مضيئة في سجلّ الدعوة، وصوتًا جهوريًا هزَّ المنابر، وقلبًا رقيقًا أذاب السامعين بصدق كلماته. لم يكن خطيبًا مفوّهًا فحسب، بل كان شاعرًا لا يُشق له غبار، يسكب في أبياته حرارة الإيمان وصدق التجربة، ويجعل منها سهامًا نافذة إلى العقول والقلوب.
صعيدي لا يلين
نشأ في صعيد مصر، حيث تنحت الجبال على النفوس ملامح الصلابة والشدة. اعتز بلهجته الصعيدية ورآها عنوان الرجولة والجدّ، فلم يتخلَّ عنها رغم سنوات اغترابه في القاهرة بين إمبابة والمطرية وعين شمس. وكان إذا اعتلى المنبر تحوّل إلى عذب البيان، يختار الألفاظ كأنها درر، ويصبّها في قوالب من نور، فتخشع الأرواح وتخضع القلوب.
نجم الدعوة في القاهرة
حين دفعت الجماعة الإسلامية بخيرة دعاتها إلى القاهرة في الثمانينيات، لمع نجم الشيخ عزت بينهم. وقف إلى جوار صفوت عبد الغني وعلاء محيي الدين وضياء فاروق وغيرهم من دعاة الجماعة، لكن بريقه كان خاصًا؛ بخطبه المجلجلة، وحضوره البهي، وروحه القريبة من الشباب. كان يهتف في الميادين:
“يا أهل القاهرة ويا أهل الجيزة… رغيف العيش بقى ببريزة!”
فتنتفض الحشود على وقع صوته، وكأن الهتاف شعر موزون، وكأن الدعوة ملحمة يجسّدها بلسانه وروحه.
المحن والسجون
لم يكن طريقه مفروشًا بالورود. ففي نهاية عام 1988 اعتُقل في “قضية 120”، ثم في التسعينيات زُج به ظلمًا في قضية اغتيال رفعت المحجوب. قضى سنوات طويلة بين جدران السجن، حتى بعدما صدر له حكم بالبراءة.
في الزنازين، كان أبًا ورفيقًا ومعلّمًا، يخفف عن إخوانه بابتسامته وكلماته، ويغرس فيهم الصبر واليقين. وقد أفرغ روحه في شعره بديوان في سجون مبارك حيث قال:
“سأصبر صبرَ الجبالِ الشِّدادْ
وأمضي إلى الله مهما السِّياطْ
إذا ضاقَ صدري فإني أرى
جنانًا تلوحُ وراءَ الفِتَن.”
مبادرة وقف العنف
مع إطلاق الجماعة الإسلامية لمبادرة “وقف العنف”، كان الشيخ عزت أحد أعمدتها. جلس مع المعتقلين فردًا فردًا، يشرح ويقنع، يستحضر السيرة النبوية ويُسقطها على الواقع المعقد، فأسهم بحكمته ورقته في إنجاح المسار الجديد.
عودة إلى الميدان
خرج من السجن عام 2005، ليعود إلى ساحات الدعوة قريبًا من الشباب، مربيًا وناصحًا. وعندما اندلعت ثورة يناير، كان في مقدمة الصفوف، ولم يتراجع بعد انقلاب 3 يوليو 2013، بل ظل شامخًا كالطود، صريحًا في موقفه، ثابتًا على مبادئه.
الشهادة في زمن الظلم
أُعيد اعتقاله بعد الانقلاب، رغم مرضه. وفي السجن أصيب بانسداد معوي تطلّب تدخلاً عاجلًا، لكن الإهمال الطبي عجّل برحيله. وفي يوم الخميس 13 أغسطس 2015، ارتقى شهيدًا مظلومًا صابرًا محتسبًا.
شهادة صحبة وأخوّة
وأشهد – وأنا الذي صاحبته – أني جُبت معه العديد من محافظات مصر والكثير من أحياء القاهرة، في الحرية كما صحبته في السجن، في الدعوة كما في الحلّ والترحال. عرفت صدقه وصلابته ودفء قلبه، ورأيت فيه الصاحب الذي يُؤنسك في وحشة الطريق، والأخ الذي يُعينك في أثقل اللحظات.
ولم يكن الشيخ عزت السلاموني مجرد خطيب يهزّ المنابر أو شاعر يسكب الحروف شعرًا، بل كان أخًا ودودًا، رفيقًا مؤنسًا، يمازح إخوانه بروح خفيفة الظل، حتى كان يرتجز مازحًا:
“فإذا الهموم على الكتوف تشعبطت
فارقص لها وقل لها يا أختي انزلي!”
بهذه الكلمات كان يخفف عنهم وطأة الهموم ويزرع البهجة وسط العناء. وكان من أشد الناس تواضعًا وخدمةً لإخوانه، يؤثرهم على نفسه ويقدّم راحتهم على راحته. أما مسكنه البسيط في منطقة “المواضع” قرب محطة سكة حديد الجزيرة، فقد كان بمثابة “دار ضيافة” مفتوحة لإخوانه، يجدون فيه المأوى والكرم والبشاشة، حتى غدا بيتًا للجماعة كلها.
فإلى لقاء في جنات الخلد، أيها الأخ والصاحب… يا من كنت صديقي.
إرث خالد
لم يمت عزت السلاموني، فمثله لا يموت. بقيت كلماته تتردد في ذاكرة من سمعه، وبقي شعره يلهب القلوب، وبقيت صورته خطيبًا شامخًا وشاعرًا رقيقًا، وقائدًا جسورًا لا يعرف المساومة. لقد صعد المنبر بلسان الحق، ونزل إلى قبره شهيدًا.
خاتمة تحفيزية
إن رسالة الشيخ عزت لأجيال اليوم واضحة: أن الدعوة إلى الله أمانة، وأن الثبات على الحق طريق قد يكون وعرًا، لكنه يفضي إلى رضوان الله. لقد قدّم حياته شاهدًا على أن الكلمة أقوى من السيف، وأن المبدأ أثمن من العمر، وأن طريق الدعوة باقٍ ما بقي في الأمة رجال ونساء يحملون الرسالة بصدق وإخلاص، حتى نلقى الله.
فرحمة الله عليك أيها الشهيد، وأسأل الله أن يبعث في الأمة من يسيرون على خطاك، وأن يخلّد ذكراك منارة للأحرار، ومشعلًا يهتدي به السائرون في درب الحق. (İLKHA)
تنبيه: وكالة إيلكا الإخبارية تمتلك جميع حقوق نشر الأخبار والصور وأشرطة الفيديو التي يتم نشرها في الموقع،وفي أي حال من الأحوال لن يمكن استخدامها كليا أو جزئياً دون عقد مبرم مع الوكالة أو اشتراك مسبق.
يندد الأستاذ حسن ساباز بالانشغال العالمي بأوكرانيا بينما غزة تحترق تحت القنابل، ويؤكد أن أولويات القوى السياسية اقتصادية وعسكرية فقط.
يؤكد الأستاذ محمد كوكطاش أن غياب تركيا عن القمم الدولية الأخيرة مؤشر مقلق على تراجع دورها الإقليمي والدولي، رغم حضورها الفاعل سابقًا في ملفات كأوكرانيا وسوريا وزنكزور. ويرى أن ما يحدث قد يكون عزلة متعمدة أو إعادة رسم لموقع أنقرة في النظام الدولي.
الأستاذ سعد ياسين يشيد بالمرحوم فصيح (غولر) كنموذج نادر لشخصية إسلامية تعمل داخل المجتمع بجد وتواضع دون السعي للظهور، مؤثرة في الناس برسالتها وعملها، ويذكر رمزية "المرآة المكسورة" كرمز للتواضع والصبر والقدرة على التأثير.