قمة الدوحة بلا أنياب… أوسعتهم سبًّا وأودوا بالإبل

علق الأستاذ "إسلام الغمري" نائب رئيس مركز حريات للدراسات السياسية والإستراتيجية في مقال له على قمة الدوحة، مؤكداً أن الأمة اليوم تحتاج إلى قرارات شجاعة لا إلى البيانات المتكررة، وإلى مواقف جريئة تقف أمام التاريخ والأجيال القادمة، لا إلى عبارات منمقة تُنسى بعد أيام.
وجاء في المقال ما يلي:
"افتتاحية
في التراث العربي القديم، قيل: “أوسعتهم سبًّا… وأودوا بالإبل”؛ مثلٌ ساخر يلخص حال من يكتفي بالصخب والشتائم، بينما يخرج خصومه بالغنيمة والربح. واليوم، ونحن نتابع القمة العربية الإسلامية في الدوحة وما صدر عنها من بيانات، نجد أن هذا المثل يطلّ من عمق التاريخ ليصف بدقة مشهد الحاضر.
لقد اجتمع القادة، وتباروا في الخطب الرنانة والكلمات المليئة بالشجب والتنديد، لكن حين جاء وقت القرار والفعل، لم تكن الحصيلة سوى مخرجات هزيلة بلا أنياب، لا توقف حربًا، ولا تحمي دمًا، ولا تغيّر معادلة. وبينما امتلأت القاعات بالبيانات المكررة، كان العدو يواصل قصفه بدعم سياسي وعسكري غير محدود، كأنه هو من خرج من القمة بالإبل، بينما اكتفت الأمة بالسبّ واللوم.
إنها مفارقة مُرّة: أمة تملك التاريخ والحق والجغرافيا، لكنها تُختزل في بيانات، فيما خصومها يجنون الثمار على الأرض. فما قيمة قمة تُشبه مجلس عزاء يكثر فيه النحيب وتغيب عنه الأفعال؟
من البيان إلى الهوان
من يتأمل البيان الختامي للقمة العربية الإسلامية في الدوحة، يدرك أن كثيرًا من الجهد بُذل في الصياغة البلاغية، بينما القليل جدًا صُرف في صناعة القرارات الملزمة. كان البيان مطوّلاً في الكلمات، ضعيفًا في الأفعال، أشبه بمرافعة أخلاقية أكثر من كونه خطة عملية لردع العدوان أو حماية شعب محاصر.
هذا الفارق بين غزارة الكلمات وهزال القرارات هو بالضبط ما قصده العرب قديمًا بمثلهم: “أوسعتهم سبًّا وأودوا بالإبل”. فالعدو لا يوقفه الشجب، وإنما الردع العملي والسياسي والعسكري، وهو ما غاب كليًا عن القمة.
خطاب بلا قوة
ما شهدناه في قمة الدوحة ليس سوى إعادة إنتاج للغة الشجب التي اعتادت عليها الشعوب العربية منذ عقود. بيانات متكررة، مصطلحات محفوظة: “نرفض”، “نُدين”، “نستنكر”، ثم يرفع الستار ليعود كل وفد إلى عاصمته، وكأن شيئًا لم يكن.
بينما كانت الطائرات الإسرائيلية تواصل قصفها للمدن والأحياء، لم يجد الشعب الفلسطيني من القمة سوى خطاب بارد عاجز عن إيقاف رصاصة واحدة.
العدو يربح والضحايا يتكاثرون
في الوقت الذي كانت فيه الوفود العربية والإسلامية تصوغ بياناتها الطويلة، كان العدو يجني مكاسب سياسية وعسكرية على الأرض:
• استمرار الدعم الأمريكي والأوروبي بلا سقف.
• توسيع هامش الحركة العسكرية تحت غطاء “الدفاع عن النفس”.
• إبراز هشاشة الموقف العربي والإسلامي أمام العالم.
كأن إسرائيل هي التي خرجت من القمة بغنيمتها (الإبل)، فيما اكتفى المجتمعون بالجدل اللفظي والاتهامات المتبادلة حول من يتحمل المسؤولية.
الشعوب ترى وتفهم
المفارقة أن الشعوب لم تعد تنطلي عليها البلاغة الفارغة. الجماهير باتت تقرأ المواقف لا البيانات، وتحكم على الحكومات بما تفعل لا بما تقول. ولذلك فقد كانت القمة بالنسبة لوعي الناس تجسيدًا للعجز الرسمي أكثر من كونها إعلانًا للوحدة.
وإن كانت القمة قد أرسلت رسالة، فهي رسالة إلى الشعوب: أن عليكم أن تعتمدوا على أنفسكم في المقاومة والصمود، لأن بيانات القمم لن تصنع نصرًا ولن تمنع هزيمة.
الدرس من قمة الدوحة
إن أمتنا اليوم تحتاج إلى قرارات شجاعة لا إلى بيانات متكررة. تحتاج إلى مواقف جريئة تقف أمام التاريخ والأجيال القادمة، لا إلى عبارات منمقة تُنسى بعد أيام. وإن لم تنتقل القمم من مستوى الخطابة إلى مستوى الفعل، فإن التاريخ سيظل يردد ساخرًا:
“أوسعتهم سبًّا… وأودوا بالإبل!”
خاتمة
لقد أثبتت قمة الدوحة أن الخطابات لا تصنع قوة، وأن البيانات لا توقف عدوانًا، وأن التاريخ لا يرحم العاجزين. الأمة اليوم تدفع دماء غالية في غزة، فيما يجتمع قادتها ليكرروا صدى الكلمات القديمة، وكأنهم يواجهون صواريخ العدو بعبارات محفوظة.
إن المثل العربي القديم: “أوسعتهم سبًّا… وأودوا بالإبل” ليس مجرد حكمة من الماضي، بل وصف دقيق لواقع حاضرنا؛ حيث يُغرق بعض القادة أنفسهم في البلاغة، بينما يخرج العدو بالمكاسب والغنائم.
لكن الشعوب لا تموت، والمقاومة لا تنكسر، والوعي يتنامى في كل بيت وشارع. وإذا كان الرسميون قد اختاروا طريق البيانات، فإن طريق الأمة هو طريق الفعل؛ فعل المقاومة، وفعل الكلمة الحرة، وفعل الموقف الصادق.
إن المستقبل لا يُكتب بالبيانات، بل يُصنع بالتضحيات، وسيأتي يوم ترد فيه الأمة على عدوانها بالفعل لا بالقول، وبالقدرة لا بالشجب. وحينها فقط، سينقلب المثل رأسًا على عقب، ليُقال عن شعوبنا لا عن قادتنا: "أوسعوهم فعلًا… واستردوا الإبل." (İLKHA)
تنبيه: وكالة إيلكا الإخبارية تمتلك جميع حقوق نشر الأخبار والصور وأشرطة الفيديو التي يتم نشرها في الموقع،وفي أي حال من الأحوال لن يمكن استخدامها كليا أو جزئياً دون عقد مبرم مع الوكالة أو اشتراك مسبق.
حذّر مدير مجمع الشفاء الطبي في غزة الدكتور محمد أبو سلميّة من الوضع الكارثي الذي تمر به وحدات العناية المركزة لحديثي الولادة، في ظل استمرار الحصار وتدهور الأوضاع الصحية في القطاع.
أعلن وزير الخارجية الأمريكي "ماركو روبيو" دعم بلاده الكامل للعملية البرية الشاملة التي أطلقها جيش الاحتلال الصهيوني في قطاع غزة، في إطار تصعيده العسكري المستمر.
استمر نظام الاحتلال الصهيوني بارتكاب المجازر الجماعية بحق المدنيين العزل في قطاع غزة لليوم الـ711 على التوالي.