قمة شنغهاي تقرع ناقوس التغيير… ميلاد نظام عالمي يهز هيمنة الغرب

أشار الأستاذ "إسلام الغمري" نائب رئيس مركز حريات للدراسات السياسية والإستراتيجية في مقال له، إلى أن قمة شنغهاي قرعت ناقوس التغيير ووضعت العالم أمام خيارين إمّا أن يسود التعاون والتكامل، أو يستمر التناحر والاستقطاب والحروب.
شهدت مدينة شنغهاي انعقاد القمة الأخيرة لمنظمة شنغهاي للتعاون وسط عالم يزداد اضطرابًا وانقسامًا. لم يكن هذا الاجتماع مجرّد لقاء بروتوكولي بين قادة الدول، بل جاء أشبه بصرخة سياسية وإستراتيجية تقول للعالم بوضوح: لقد انتهى زمن الأحادية القطبية، وبدأت مرحلة جديدة تتشكّل ملامحها على أرض الشرق.
شرق ينهض… وغرب يترنّح
منذ نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفييتي، تربّعت الولايات المتحدة ومعها الغرب على عرش النظام الدولي. لكنّ قمة شنغهاي أوضحت أن هذا العرش لم يعد صلبًا كما كان، وأنّ الرياح الجيوسياسية تتّجه نحو تعددية جديدة. الرئيس الصيني شي جين بينغ لخّص اللحظة بكلمات عميقة حين قال: “اليوم أمام البشرية خيار السلام أو الحرب، الحوار أو المواجهة، والربح المشترك أو المعادلة الصفرية”. هذه الكلمات لم تكن خطابًا أدبيًا، بل إعلانًا عن إرادة جماعية لصياغة بديل للنظام الغربي الذي استنفد طاقته.
إنّ اللافت في القمة أنّها جمعت أكثر من عشرين قائدًا من آسيا وأوراسيا، بينهم قادة قوى كبرى كالصين وروسيا والهند وباكستان، إلى جانب دول صاعدة في آسيا الوسطى. هذا التنوّع يعكس أن النظام الجديد لا يقوم على محور مغلق، بل على شبكات متداخلة تسعى إلى بناء توازنات جديدة.
منظمة شنغهاي + بريكس: تحالفات المستقبل
أحد أبرز مخرجات القمة كان الدفع نحو صيغ جديدة مثل SCO+ وربطها بمجموعات أخرى مثل بريكس. هذه الصيغة تعني أنّ التكتلات الكبرى بدأت تتشابك لتشكّل شبكات اقتصادية وأمنية ومالية عابرة للقارات. وبالتوازي مع ذلك، برزت الدعوة إلى اعتماد العملات المحلية في التبادلات التجارية بدل الارتهان المطلق للدولار.
هذه الخطوة ليست تقنية بحتة، بل تحمل معنى استراتيجيًا خطيرًا: تقليص نفوذ الدولار يعني تقليص قدرة الغرب على التحكم بمفاصل الاقتصاد العالمي. وفي الوقت الذي يواجه فيه الاقتصاد الأمريكي تحديات داخلية عميقة، تبدو دول شنغهاي وبريكس أكثر استعدادًا لاستثمار لحظة التحول التاريخي هذه.
العالم بين خيارين
الرسالة التي خرجت من القمة كانت واضحة: لم يعد مقبولًا أن تبقى البشرية أسيرة معادلة صفرية تفرضها قوة واحدة. إمّا أن يسود التعاون والتكامل، أو يستمر التناحر والاستقطاب. إنّها معركة على شكل العالم القادم، معركة بين نموذج يقوم على الهيمنة والإقصاء، ونموذج آخر يسعى للتوازن والمصالح المتبادلة.
ولعلّ أهم ما يميّز هذا التحول أنّه ليس مجرّد صراع عسكري أو تنافس اقتصادي، بل هو صراع على قواعد اللعبة ذاتها: من يضع القوانين؟ من يحدّد اتجاه التجارة؟ من يملك الكلمة العليا في الأمن العالمي؟ قمة شنغهاي قالت بوضوح إنّ الغرب لم يعد الطرف الوحيد المؤهل للإجابة عن هذه الأسئلة.
الفرص أمام منطقتنا
بالنسبة لدول منطقتنا العربية والإسلامية، فإنّ هذه التحولات تحمل في طيّاتها فرصًا تاريخية. فبعد عقود من الارتهان الحصري للأسواق والمؤسسات الغربية، بات من الممكن تنويع الشراكات الاقتصادية والمالية، والانخراط في أنظمة دفع إقليمية مثل PAPSS الإفريقية أو أنظمة آسيوية مماثلة، بما يخفف كلفة التبعية ويزيد هامش المناورة.
كما أنّ الانفتاح على هذه التكتلات الجديدة يمنح منطقتنا مساحة لتطوير استراتيجيات وطنية مستقلة، بعيدًا عن الضغط الغربي المتواصل. إنّها فرصة لإعادة بناء القرار الوطني على أسس أكثر استقلالية، والاستفادة من موقعنا الجغرافي الذي يربط الشرق بالغرب، والشمال بالجنوب.
حضور عربي وإسلامي في قلب التحول
لم يكن لافتًا في قمة شنغهاي حضور الصين وروسيا وحدهما، بل مشاركة قادة من دول عربية وإسلامية وازنة مثل تركيا وإيران ومصر وباكستان. هذا الحضور منح القمة بعدًا يتجاوز الإطار الأوراسي التقليدي، وفتح الباب أمام إعادة تعريف مكانة العالم الإسلامي في خريطة التعددية القطبية الجديدة. مشاركة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أكدت أن أنقرة تبحث عن تموضع مستقل خارج أسر التحالفات الغربية، فيما شكّل حضور رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي إشارة إلى سعي القاهرة لتوسيع خياراتها الإستراتيجية بعيدًا عن الارتهان للغرب، بينما عزّزت إيران موقعها كأحد أعمدة المنظمة منذ انضمامها الكامل، ورسّخت باكستان مكانتها كجسر طبيعي يربط جنوب آسيا بآسيا الوسطى.
هذا التلاقي العربي والإسلامي لم يكن رمزيًا فحسب، بل حمل دلالات استراتيجية عميقة؛ إذ تزامن مع دعوات لتعزيز التعاون في مجالات الأمن السيبراني والطاقة والتمويل، ما يجعل من منظمة شنغهاي منصة محتملة لبناء فضاء تنموي وأمني مشترك يعيد صياغة معادلات النفوذ في منطقتنا. كما أن المشاركة بهذا المستوى تعكس إدراكًا متناميًا لدى هذه الدول أن المستقبل لن يُصاغ في واشنطن أو بروكسل فقط، بل في تكتلات جديدة تضع الشرق والإسلام معًا في قلب صناعة القرار العالمي.
التحديات الكامنة
لكنّ هذه الفرص لا تخلو من تحديات. فخطر التحول إلى مجرّد ساحة تنافس بين القوى الكبرى قائم دائمًا. وإذا لم تبنَ رؤية وطنية واضحة، فقد تجد دولنا نفسها أداة في مشاريع الآخرين بدل أن تكون شريكًا فاعلًا فيها.
إنّ التاريخ يعلّمنا أنّ من لا يملك مشروعه الخاص سيُستَعمل في مشاريع غيره. ولذلك فإنّ المطلوب اليوم أن ننتقل من عقلية “رد الفعل” إلى عقلية “صناعة الفعل”، وأن نمتلك الجرأة على وضع استراتيجيات طويلة المدى تحدّد بوضوح أين نريد أن نكون بعد عشرين أو ثلاثين سنة.
ما المطلوب؟
لكي تحجز أي دولة لنفسها موقعًا محترمًا في النظام العالمي القادم، عليها أن تتبنى مجموعة من الأسس الجوهرية:
1. رؤية استراتيجية طويلة الأمد تحدد بوضوح موقعها في خريطة التوازنات المقبلة.
2. تنويع اقتصادي وتمويلي يوازن بين الأسواق التقليدية والبدائل الجديدة.
3. قدرات ردع وأمن سيبراني تحمي السيادة من دون الانزلاق إلى سباقات تسلح مدمّرة.
4. دبلوماسية ذكية تضمن شراكات متوازنة تحفظ القرار الوطني وتمنع الارتهان لمحور واحد.
هذه ليست رفاهية فكرية، بل شروط وجود في عالم لا يرحم المتأخرين ولا يلتفت للضعفاء.
لحظة تاريخية نادرة
لقد انتهى عالم الأمس، وعالم الغد لم يتشكل بعد. نحن نعيش في مرحلة انتقالية نادرة، حيث الفرص متاحة لمن يجرؤ على اقتناصها، وحيث المخاطر ماثلة لمن يتردد أو يتأخر. ومن هنا تأتي أهمية قمة شنغهاي التي لم تكن مجرّد اجتماع إقليمي، بل ناقوسًا يذكّرنا بأن المستقبل سيُصنع الآن، وأن من لا يملك رؤية ومشروعًا سيُستَعمل ولا يُستَشار.
خاتمة
إنّ قمة شنغهاي الأخيرة مثّلت إعلانًا صريحًا عن ميلاد التعددية القطبية واهتزاز هيمنة الغرب. لقد بعثت برسالة واضحة: العالم لا يمكن أن يُدار بعقلية الماضي، وأنّ المستقبل سيكون للكيانات التي تبني بدائل مؤسسية واقعية وتملك إرادة الفعل.
إنّها لحظة اختبار تاريخية لدولنا: هل نكتفي بدور المتفرج والساحة، أم نتحول إلى صانع قرار وشريك فاعل في رسم ملامح النظام العالمي الجديد؟ الخيار بأيدينا، والوقت يضيق. (İLKHA)
تنبيه: وكالة إيلكا الإخبارية تمتلك جميع حقوق نشر الأخبار والصور وأشرطة الفيديو التي يتم نشرها في الموقع،وفي أي حال من الأحوال لن يمكن استخدامها كليا أو جزئياً دون عقد مبرم مع الوكالة أو اشتراك مسبق.
يكشف الأستاذ حسن ساباز أن المحتل الصهيوني يقترب من نهايته في غزة، وسط تصاعد الغضب الدولي وتراجع الدعم السياسي له، بينما تبرز فرص المبادرة الإنسانية لمن أراد ان يسجل موقفأ تاريخياً بارزاً.
أكد الأستاذ "إسلام الغمري" نائب رئيس مركز حريات للدراسات السياسية والإستراتيجية في مقال له، أن الحركة الإسلامية السودانية تقف أمام تحدٍّ جديد، بينما تسعى بعض القوى الدولية والإقليمية لإقصائها من المشهد، وما زالت تحتفظ بامتداد اجتماعي عميق وشبكات نفوذ في مؤسسات الاقتصاد والإدارة في البلاد.
يؤكد الأستاذ سعد ياسين أن إرادة المقاومة والاستشهاد في سبيل الله أقوى من أي تهديد، وأن غزة ستظل منبعًا للمجاهدين والحق، حيث يُستبدل كل شهيد بآلاف يواصلون النضال حتى النصر.