الأستاذة سيما يرا: التنمّر بين الأقران.. مقدمات كارثة صامتة
تحذر الأستاذة سيما يرار من تفاقم ظاهرة التنمر بين الأطفال والشباب في تركيا، معتبرة أنها مرآة لانهيار القيم الأسرية والأخلاقية، وداعية إلى ترسيخ التربية على الضمير والرحمة في المناهج والتعليم والإعلام لحماية الجيل القادم.
كتبت الأستاذة سيما يرار مقالاً جاء فيه:
يزداد في تركيا خطرٌ يدمّر حياة المزيد من الأطفال والشباب يومًا بعد يوم، إنه التنمر بين الأقران.
ما كان في الماضي مجرد مزاح بريء في ممرات المدارس، أصبح اليوم صراعًا تسوده الكراهية العميقة، والغضب، والقسوة.
لم يعد أطفالنا يؤذون بعضهم بالكلمة فقط، بل باللكمة، وبالسكين، وحتى عبر حملات التنمر الإلكترونية على وسائل التواصل الاجتماعي، إن هذه الصورة في الواقع ليست مجرد انعكاس لبيئة المدرسة، بل مرآة للبنية الأخلاقية العامة في المجتمع بأسره.
في الأيام الماضية، شهدت مدينة قونية حادثة مأساوية حين طعن طالب في السادسة عشرة من عمره زميله في المدرسة خمس طعنات، لتكون هذه الحادثة دليلًا آخر على مدى تفاقم هذه الكارثة الصامتة، لم يكن ذلك مجرد خبر عابر، بل قصة غضب أطفأ مستقبلًا، وجرحًا يختصر مأساة جيل بأكمله.
لكن من أين يأتي هذا الغضب؟ وما الذي يولّد كل هذا الحقد والعنف غير المسيطر عليه؟
الجواب أن أطفال اليوم لم تعد تربيهم الأسر، بل الشاشات، لقد أصبحوا أبناء الشاشات.
فوسائل التواصل الاجتماعي، والمسلسلات، والمنصات الرقمية، تروّج للشدة والعنف، وتشرعن الغضب، وتقدّم فكرة "إذا كنت على حق، فاضرب" على أنها بطولة.
الأطفال يتقمصون تصرفات الشخصيات التي يرونها قدوة لهم، فيجعلون من سلوك أبطال الشاشات نموذجًا لحياتهم الواقعية، فعندما يرى الطفل مشهدًا في مسلسل يُحلّ فيه البطل مشكلته بالضرب أو الانتقام، يصبح هذا السلوك لديه قاعدة تعامل في الحياة اليومية، لأن الكثير من شباب اليوم بات مدرسهم في الأخلاق هو وسائل التواصل الاجتماعي، وكتابهم في الآداب هو المسلسل الذي يشاهدونه.
إن التنمر بين الأقران ليس مشكلة مدرسية فحسب، بل يبدأ في البيت، وينمو في المدرسة، ويتردد صداه في المجتمع.
فاليوم يركّز كثير من الآباء على تعليم أبنائهم "النجاح" بدلًا من "الأخلاقط".
تتآكل داخل الأسرة قيم الحب والاحترام والضوابط.
الآباء متعبون، مشغولون، أو متساهلون لدرجة يلبّون كل رغبات أطفالهم خوفًا من أن "يحزنوا".
حلّ التدليل محلّ الانضباط، واحتلّت شاشات الهواتف مكان النصيحة.
لكن من دون تربية على الأخلاق والرحمة وآداب التعامل، ينشأ الطفل مؤمنًا بالقوة لا بالضمير.
فالطفل الذي لا يتعلم التعاطف في البيت، سيكون قاسيًا في المدرسة.
والشاب الذي لا يُغرس في نفسه معنى الرحمة، سيظن أن العنف هو الحل.
وحينئذ، لا نكون أمام حالة تنمر فحسب، بل أمام صورة مجتمعٍ بدأ يفقد قلبه، ويتحوّل تدريجيًا إلى كيانٍ بلا رحمة ولا ضمير.
في مدارسنا تُدرّس الرياضيات والعلوم والتاريخ، لكن من يدرّس "القيم والضمير"؟
بينما حاجتنا الأكثر إلحاحا اليوم هي تربية أفراد يملكون المعرفة، ويفكرون بقلوبهم أيضًا.
يجب أن تصبح دروس "الضمير والرحمة والأخلاق" موادًا إلزامية في المدارس، وأن تُقدَّم لا على شكل مواعظ جافة، بل بشكل تطبيقي مرتبط بالحياة، يركّز على التعاطف والممارسة الواقعية.
فالتعليم لا يصنع العقول فقط، بل يشكّل القلوب أيضًا.
أما التلفاز والمسلسلات وقنوات اليوتيوب ومقاطع الفيديو القصيرة، فهي جميعها "معلمون خفيّون".
لكن للأسف، هؤلاء المعلمون غالبًا ما يكافئون الغضب والغرور والعنف.
فالبطل الذي يضرب خصمه يُصفّق له، أما من يسامح فيُنظر إليه على أنه ضعيف.
لقد أصبحنا في أمسّ الحاجة إلى نموذج جديد من "الأبطال".
شخص هادئ لكنه قوي، متعاطف لكنه حازم، لا يقوده الغضب بل ضميره.
إن التنمر بين الأقران ليس قضية أطفال فحسب، بل مرآةٌ تعكس حال المجتمع كله.
وفي هذه المرآة، ينبغي لنا نحن الكبار – الآباء والمعلمون والإعلاميون – أن نرى نصيبنا من المسؤولية.
فليس الغضب وحده ما يضع السكين في يد طفل ويجرح قلب آخر؛ بل الإهمال، وانعدام الاهتمام، وفراغ القيم، ونقص الروحانية.
إذا كنا نريد إنقاذ مستقبلنا، فعلينا أولًا أن ننقذ أرواح أطفالنا.
يجب أن تعود مفاهيم الأخلاق والرحمة والصبر والتعاطف إلى صميم الحياة من جديد.
وإلا فسنستمر في سماع أخبار مؤلمة تحمل أسماء أطفال جدد في نشرات المساء.
إن التنمر بين الأقران لم يعد قضية تربوية فحسب، بل تحوّل إلى قضية ضمير.
ولنتذكّر دائمًا:
حين يفقد المجتمع رحمة أطفاله، يفقد مستقبله أيضًا. (İLKHA)
تنبيه: وكالة إيلكا الإخبارية تمتلك جميع حقوق نشر الأخبار والصور وأشرطة الفيديو التي يتم نشرها في الموقع،وفي أي حال من الأحوال لن يمكن استخدامها كليا أو جزئياً دون عقد مبرم مع الوكالة أو اشتراك مسبق.
يشدد الأستاذ عبد الله أصلان على أن الاحترام والرحمة هما أساس نجاح المجتمع واستقراره، فبتطبيق هاتين القيمتين في الأسرة والعمل والعلاقات الاجتماعية تُحل كثير من المشكلات ويُزرع الحب والسلام.
يؤكد الأستاذ محمد كوكطاش أن الأطفال ملكٌ لأسرهم لا للدولة أو الأنظمة، منتقدًا محاولات الأنظمة الديكتاتورية استغلال التعليم لغسل عقول الأجيال، ومشيدًا بوعي الأسر المسلمة التي تربي أبناءها على قيم الإيمان والحرية.
يكشف الأستاذ محمد كوكطاش تعرض تركيا لحصار صهيوني شديد على جميع الأصعدة الإقليمية والعسكرية والسياسية، وأن كسره لا يكون إلا من خلال تحرير غزة، مما سيفتح الطريق لتخفيف القيود عن المنطقة خطوة بخطوة.